[به](١) فتفقد الطير ففقد الهدهد فدعا عريف الطير وهو النسر فسأله عن الهدهد ، فقال : أصلح الله الملك ما أدري أين هو ما أرسلته إلى مكان فغضب عند ذلك سليمان ، وقال : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) الآية ثم دعا العقاب سيد الطير فقال : عليّ بالهدهد الساعة فرفع العقاب نفسه صوب (٢) السماء حتى التصق بالهواء فنظر إلى الدنيا كالقصعة بين يدي أحدكم ثم التفت يمينا وشمالا فإذا هو بالهدهد مقبلا من نحو اليمن ، فانقضّ العقاب نحوه يريده ، فلما رأى الهدهد ذلك علم أن العقاب يقصده بسوء فناشده فقال بحق الله الذي قوّاك وأقدرك عليّ إلا رحمتني ولم تتعرض لي بسوء ، قال فولّى عنه العقاب ، وقال له ويلك ثكلتك أمك إن نبي الله قد حلف أن يعذبك أو يذبحك ، ثم طارا متوجهين نحو سليمان ، فلما انتهيا إلى المعسكر تلقاه النسر والطير ، فقالوا له ويلك أين غبت في يومك هذا ، ولقد توعدك نبي الله [بالعذاب](٣) وأخبروه بما قال : فقال الهدهد : أو ما استثنى نبي الله قالوا : بلى قال أو ليأتينّي بسلطان مبين ، قال [لهم] نجوت إذا ، ثم طار العقاب والهدهد حتى أتيا سليمان وكان قاعدا على كرسيه ، فقال العقاب قد أتيتك به يا نبي الله فلما قرب الهدهد منه رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض تواضعا لسليمان ، فلما دنا منه أخذ [سليمان](٤) برأسه فمده إليه وقال : أين كنت لأعذبنّك عذابا شديدا فقال الهدهد : يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله تعالى ، فلما سمع سليمان ذلك ارتعد وعفا عنه ، ثم سأله فقال ما الذي أبطأ بك عني؟ فقال الهدهد : ما أخبر الله عنه في قوله :
(فَمَكَثَ) قرأ عاصم ويعقوب «فمكث» بفتح الكاف ، وقرأ الآخرون بضمها وهما لغتان ، (غَيْرَ بَعِيدٍ) ، أي غير طويل ، (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) ، والإحاطة العلم بالشيء من جميع جهاته ، يقول : علمت ما لم تعلمه وبلغت ما لم تبلغه أنت ولا جنودك ، (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ) قرأ أبو عمرو والزبير عن ابن كثير «من سبأ» و «لسبأ» في سورة سبأ [١٥] مفتوحة الهمزة ، وقرأ القواص (٥) وعن ابن كثير ساكنة بلا همزة ، وقرأ الآخرون بالجر ، فمن لم يجره جعله اسم للبلدة (٦) ، ومن جرّه جعله اسم رجل.
[١٥٩٦] فقد جاء في الحديث أن النبي صلىاللهعليهوسلم سئل عن سبأ فقال : «كان رجلا له عشرة من البنين تيامن منهم ستة وتشاءم أربعة». (بِنَبَإٍ) ، بخبر (يَقِينٍ) ، فقال سليمان : وما ذاك؟ قال :
(إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦) قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ (٢٨))
(إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) ، وكان اسمها بلقيس بنت شراحيل من نسل يعرب بن قحطان ، وكان أبوها ملكا عظيم الشأن ، قد ولد له أربعون ملكا هو آخرهم ، وكان يملك أرض اليمن كلها ، وكان يقول
__________________
[١٥٩٦] ـ يأتي في تفسير سورة سبأ عند آية : ١٥ ، وهو قوي.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «دون».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المخطوط «القواس».
(٦) في المطبوع «البلد».