وقيل : أراد شعيب أن يجازي موسى على حسن رعيته [في غنمه](١) إكراما له وصلة لابنته ، فقال له إني قد وهبت لك من الجدايا التي تضعها أغنامي هذه السنة كل أبلق وبلقاء ، فأوحى الله إلى موسى في المنام أن اضرب بعصاك الماء الذي في مستسقى الأغنام فضرب موسى بعصاه الماء ثم سقى الأغنام منه فما أخطأت واحدة منها إلّا وضعت حملها ما بين أبلق وبلقاء فعلم [شعيب](٢) فقال له : إن ذلك رزق ساقه الله عزوجل إلى موسى وامرأته فوفّى له بشرطه (٣) وسلم الأغنام إليه.
(فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢))
قوله عزوجل : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ) ، يعني أتمه وفرغ منه ، (وَسارَ بِأَهْلِهِ) ، قال مجاهد : لما قضى الأجل مكث بعد ذلك عند صهره عشرا أخرى فأقام عنده عشرين سنة ثم استأذنه في العود إلى مصر فأذن له ، فخرج بأهله إلى جانب مصر ، (آنَسَ) ، يعني أبصر ، (مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً) ، وكان في البرية في ليلة مظلمة شاتية شديدة البرد وأخذ امرأته الطلق ، (قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) ، يعني عن الطريق لأنه كان قد أخطأ الطريق ، (أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ) ، يعني قطعة وشعلة من النار ، وفيها ثلاث لغات قرأ عاصم «جذوة» بفتح الجيم ، وقرأ حمزة بضمها وقرأ الآخرون بكسرها ، قال قتادة ومقاتل : هي العود الذي قد احترق بعضه وجمعها جذى ، (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) ، تستدفئون.
(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ) ، يعني من جانب الوادي الذي عن يمين موسى ، (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) ، لموسى جعلها الله مباركة لأن الله كلّم موسى هناك وبعثه نبيا. وقال عطاء : يريد المقدسة ، (مِنَ الشَّجَرَةِ) ، من ناحية الشجرة.
قال ابن مسعود : كانت سمرة خضراء تبرق.
وقال قتادة ومقاتل والكلبي : كانت عوسجة ، قال وهب : من العليق ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إنها العنّاب ، (أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ).
(وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) ، تتحرك ، (كَأَنَّها جَانٌ) ، وهي الحية الصغيرة من سرعة حركتها ، (وَلَّى مُدْبِراً) ، هاربا منها ، (وَلَمْ يُعَقِّبْ) ولم يرجع [إليها](٤) فنودي ، (يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ).
(اسْلُكْ) ، أدخل (يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) ، برص فخرجت ولها شعاع كضوء
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «شرطه».
(٤) زيادة عن المخطوط.