كانوا مجوسا أميين ، والمسلمون يودون غلبة الروم على فارس لكونه أهل كتاب ، فبعث كسرى جيشا إلى الروم واستعمل عليها رجلا يقال له شهريراز (١) ، وبعث قيصر جيشا [وأمر](٢) عليهم رجلا يدعى بخنس (٣) ، فالتقيا بأذرعات وبصرى وهي أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم ، فغلبت فارس الروم فبلغ ذلك المسلمين بمكة فشق عليهم ، وفرح به كفار مكة وقالوا للمسلمين إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب و ، نحن أمّيّون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الروم ، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرنّ عليكم فأنزل الله تعالى هذه الآيات ، فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار فقال فرحتم بظهور إخوانكم فلا تفرحوا فو الله ليظهر (٤) على فارس (٥) أخبرنا بذلك نبينا ، فقام إليه أبيّ بن خلف الجمحي فقال : كذبت ، فقال : أنت أكذب يا عدو الله ، فقال : اجعل بيننا أجلا أناحبك عليه ، والمناحبة المراهنة على عشر قلائص مني وعشر قلائص منك ، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت وإن ظهرت فارس غرمت ، ففعلوا وجعلوا الأجل ثلاث سنين فجاء أبو بكر إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فأخبره بذلك ، وذلك قبل تحريم القمار ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده في الخطر ومادّه في الأجل» ، فخرج أبو بكر ولقي أبيّا ، فقال : لعلك ندمت؟ قال : لا فقال : لا ، فتعال أزايدك في الخطر ، وأمادّك في الأجل فاجعلها مائة قلوص ومائة قلوص إلى تسع سنين ، وقيل إلى سبع سنين ، قال : قد فعلت ، فلما خشي أبيّ بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة أتاه فلزمه وقال : إني أخاف أن تخرج من مكة فأقم لي كفيلا فكفل له ابنه عبد الله بن أبي بكر فلما أراد أبيّ بن خلف أن يخرج إلى أحد أتاه عبد الله بن أبي بكر فلزمه فقال لا والله لا أدعك حتى تعطيني كفيلا فأعطاه كفيلا ، ثم خرج إلى أحد ثم رجع أبيّ بن خلف فمات بمكة من جراحته التي جرحه رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين بارزه ، وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية وذلك عند رأس سبع سنين من مناحبتهم. وقيل : كان يوم بدر.
__________________
كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإياهم أهل أوثان ، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب ، فذكره ل ٥ أبي بكر ، فذكره أبو بكر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أما إنهم سيغلبون» فذكره أبو بكر لهم فقالوا : اجعل بيننا وبينه أجلا ، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا ، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا ، فجعل خمس سنين فلم يظهروا ، فذكر ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم قال : ألا جعلته إلى دون قال : أراه العشر.
ـ قال سعيد : والبضع ما دون العشر. قال : ثم ظهرت الروم بعد.
ـ قال : فذلك قوله تعالى : (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) إلى قوله : (يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ).
ـ قال سفيان : سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر.
ـ صححه الحاكم على شرطهما ، ووافقه الذهبي ، وقال الترمذي : حسن صحيح.
وله شواهد أخرى منها :
ـ حديث نيار بن مكرم الأسلمي أخرجه الترمذي ٣١٩٤ وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث نيار بن مكرم لا نعرفه إلّا من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد ؛ وإسناده حسن في الشواهد لأجل ابن أبي الزناد.
ـ ومرسل قتادة عند الطبري ٢٧٨٧٤ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ٣٣٣ ـ ٣٣٤ وله شواهد أخرى وعامتها ضعيف ، لكن هذه الروايات تعتضد بمجموعها ، وانظر «الكشاف» ٨٣٦ و «أحكام القرآن» ١٨٣٧ بتخريجي.
(١) تصحف في المطبوع «شهرمان».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «بخين» والمثبت عن المخطوطتين.
(٤) في المطبوع «لنظهرن».
(٥) زيد في المطبوع «على ما».