وقد عثرت بعد ما ذكرت هذا على كلام يحكى عن المحدّث الأسترآبادي في فوائده المدنيّة ، قال في عداد ما استدلّ به على انحصار الدليل في غير الضروريّات الدينيّة في السماع عن الصادقين عليهماالسلام (٥٩) : الدليل التاسع مبنيّ على مقدّمة دقيقة شريفة تفطّنت لها بتوفيق الله تعالى ، وهي : أنّ العلوم النظريّة قسمان :
______________________________________________________
للمصالح الواقعيّة عن نفسه ، إذ كما أنّ تفويت الشارع لها عن المكلّف من دون معارضة مصلحة اخرى أقوى منها أو مساوية لها قبيح على الشارع ، كذلك تفويت المكلّف أيضا لها باختياره. فإذا علم المكلّف أنّ القطع الحاصل من المقدّمات العقليّة غالب التخلّف عن الواقع بخلاف الحاصل من المقدّمات الشرعيّة ، فقبل حصول القطع يستقلّ العقل بالمنع عن الخوض في المقدّمات العقليّة ، ولكن بعد مخالفة نهيه والدخول فيها وحصول القطع منها لا يعقل المنع عن العمل بهذا القطع وإلّا لزم التناقض كما تقدّم. نعم ، لا يكون معذورا لو خالف قطعه للواقع ، لفرض تقصيره بترك الدخول في المقدّمات الشرعيّة الموصولة إلى الواقع غالبا أو دائما.
ويرد على الوجه الأوّل من الوجهين اللذين ذكرناهما أنّه مكابرة للوجدان ، إذ كثيرا ما يحصل القطع من المقدّمات العقليّة. وهو واضح لا يقبل الإنكار. وعلى الثاني منهما ما سيجيء عند بيان ما يتعلّق بالسؤال الآتي للمصنّف قدسسره.
ثمّ إنّ ظاهر كلمات الجماعة التي نقلها المصنّف هو عدم اعتبار القطع الحاصل من غير المقدّمات الشرعيّة فيما يتعلّق بنفس الحكم الشرعيّ الواقعي ، بأن يقطع بأنّ هذا واجب وذاك حرام شرعا. وإن أرادوا نفي الملازمة بين التحسين والتقبيح العقليين وحكم الشرع فضعفه مقرّر في محلّه ، وسيجيء لصاحب الفصول كلام في المقامين. والله العالم.
٥٩. لفظ الصادقين إمّا بصيغة الجمع أو بصيغة التثنية ، والحصر فيهما حينئذ إنّما هو بالنظر إلى كون انتشار أغلب الأحكام منهما. والمراد من السماع أعمّ ممّا كان بلا واسطة أو معها. والحصر في السماع إنّما هو باعتبار كون أغلب البيانات