الركون بعد حصول القطع ، فلا يعقل ذلك في مقام اعتبار العلم من حيث الكشف ؛ ولو أمكن الحكم بعدم اعتباره لجرى مثله في القطع الحاصل من المقدّمات الشرعيّة طابق النعل بالنعل.
وإن أرادوا عدم جواز الخوض في المطالب العقليّة لتحصيل المطالب الشرعيّة ؛ لكثرة وقوع الغلط والاشتباه فيها ، فلو سلّم ذلك واغمض عن المعارضة بكثرة ما يحصل من الخطأ في فهم المطالب من الأدلّة الشرعيّة ، فله وجه ، وحينئذ فلو خاض فيها وحصل القطع بما لا يوافق الحكم الواقعي لم يعذر في ذلك ؛ لتقصيره في مقدّمات التحصيل ، إلّا أنّ الشأن في ثبوت كثرة الخطأ أزيد ممّا يقع في فهم المطالب من الأدلّة الشرعيّة.
______________________________________________________
الخطر ـ ما أورده عليه من المعارضة بكثرة وقوع الخطأ في فهم المطالب من الأدلّة الشرعيّة. ولذا ترى الفقهاء يختلفون في أكثر المسائل الفقهيّة ، مع استناد كلّهم إلى الأدلّة الشرعيّة ، وربّما يزيد الاختلاف على عشرة أقوال حتّى من الأخباريّين ، كيف لا والأخباريّون لا ينكرون التمسّك بالقواعد الشرعيّة والاصول التعبّدية ، مثل قاعدة اليد ونحوها ، والاستصحاب في الموضوعات ، والبراءة في الشبهات الوجوبيّة ، وهكذا ، ولا ريب في تخلّفها كثيرا عن الواقع. والأدلّة اللفظيّة وإن سلّمنا قطعيّتها بحسب السند إلّا أنّها ظنّية بحسب الدلالة ودعوى قطعيّتها من حيث الدلالة أيضا ـ كما يظهر من الأمين الأسترآبادي ـ ضروريّة البطلان ، ولذا ترى أرباب المذاهب المختلفة كلّ يتمسّك بالآيات القرآنيّة على حقيّة مذهبه ، فلو كانت بحسب الدلالة أيضا قطعيّة لما وقع هذا الاختلاف منهم.
وبالجملة ، أنّه بعد ملاحظة ظنيّة أغلب الأدلّة الشرعيّة ولو بحسب الدلالة ، وتخلّف الاصول والقواعد التعبّدية كثيرا عن الواقع ، ووقوع التعارض كثيرا في الأخبار مع اختلافهم في وجوه الترجيح وكيفيّته وفهم التعارض ، تظهر حقيّة ما ذكره المصنّف من المعارضة.
وأمّا ما ذكره المصنّف رحمهالله على تقدير الإغماض عن المعارضة المذكورة بقوله : «فله وجه ...» فمراده بهذا الوجه هو استقلال العقل بقبح تفويت المكلّف باختياره