لأنّ معرفة الصورة من الامور الواضحة عند الأذهان المستقيمة (٦٤) والخطأ من جهة المادّة لا يتصوّر في هذه العلوم ؛ لقرب الموادّ فيها إلى الإحساس. وقسم ينتهي إلى مادّة هي بعيدة عن الإحساس ، ومن هذا القسم الحكمة الإلهيّة والطبيعيّة وعلم الكلام وعلم اصول الفقه والمسائل النظريّة الفقهيّة وبعض القواعد المذكورة في كتب المنطق ؛ ومن ثمّ وقع الاختلافات والمشاجرات بين الفلاسفة في الحكمة الإلهيّة والطبيعيّة وبين علماء الإسلام في اصول الفقه والمسائل الفقهيّة وعلم الكلام وغير ذلك.
والسبب في ذلك أنّ القواعد المنطقيّة إنّما هي عاصمة من الخطأ من جهة الصورة لا من جهة المادّة ، وليست في المنطق قاعدة بها يعلم أنّ كلّ مادّة مخصوصة داخلة في أيّ قسم من الأقسام ، ومن المعلوم امتناع وضع قاعدة تكفل بذلك.
ثمّ استظهر ببعض الوجوه تأييدا لما ذكره ، وقال بعد ذلك : فإن قلت : لا فرق في ذلك بين العقليّات والشرعيّات ؛ والشاهد على ذلك ما نشاهده من كثرة الاختلافات الواقعة بين أهل الشرع في اصول الدين وفي الفروع الفقهيّة.
قلت : إنّما نشأ ذلك (٦٥) من ضمّ مقدّمة عقليّة باطلة بالمقدّمة النقليّة الظنّية أو القطعيّة.
______________________________________________________
٦٤. بحيث لا يحتاج إلى معرفة تفاصيل مسائل المنطق المقرّرة لأخذ النتائج من مباديها. وقد وقع هنا سقط من قلم المصنّف رحمهالله ، فإنّ في كتاب الفوائد قد وقع بعد العبارة المذكورة «ولأنّهم عارفون بالقواعد المنطقيّة ، وهي عاصمة عن الخطأ من جهة الصورة». وسقط بعد قوله «في كتب المنطق» قوله «كقولهم : الماهيّة لا تتركّب من أمرين متساويين ، وقولهم : نقيضا المتساويين متساويان». وبعد قوله «وغير ذلك» قوله «من غير فيصل». وبعد قوله «والسبب في ذلك» قوله «ما ذكرناه من» وبعد قوله «لا من جهة المادّة» قوله إذ «أقصى ما يستفاد من المنطق في باب موادّ الأقيسة تقسيم الموادّ على وجه كلّي إلى الأقسام». وقد وقع أيضا تغيير في بعض عبارات المتن غير مخلّ بالمقصود كعدم إخلال ما أشرنا إليه.
٦٥. يظهر فساد هذا الجواب ممّا أسلفناه في بيان ما أورده المصنّف رحمهالله من النقض على هؤلاء الجماعة بكثرة وقوع الخطأ في الأدلّة الشرعيّة أيضا ، فراجع.