ومن الموضحات لما ذكرناه من أنّه ليس في المنطق قانون يعصم عن الخطأ في مادّة الفكر : أنّ المشّائيين ادّعوا البداهة في أنّ تفريق ماء كوز إلى كوزين إعدام لشخصه وإحداث لشخصين آخرين ـ وعلى هذه المقدّمة بنوا إثبات الهيولى (٦٦) ـ والإشراقيين ادّعوا البداهة في أنّه ليس إعداما للشخص الأوّل وإنّما انعدمت صفة من صفاته وهو الاتصال.
ثمّ قال : إذا عرفت ما مهّدناه من الدقيقة الشريفة فنقول : إن تمسّكنا بكلامهم عليهمالسلام فقد عصمنا من الخطأ ، وإن تمسّكنا بغيرهم لم نعصم عنه (١) ، انتهى كلامه.
______________________________________________________
٦٦. اعلم أنّ الحكماء والمتكلّمين قد اختلفوا في حقيقة الجسم التعليمي ، وعرّفوه بالجوهر القابل للأبعاد الثلاثة. وأرادوا بالأبعاد الثلاثة خطوطا ثلاثة متقاطعة على زوايا قوائم. وعرّف المحقّق الطوسي الجوهر بالممكن لا يحلّ أصلا ، أو يحلّ لكن لا في موضوع مقابل العرض. فذهب جمهور المتكلّمين إلى أنّه مركّب من أجزاء لا يتجزّى متناهية. والنظام إلى أنّه مركّب من أجزاء كذلك غير متناهية. وجمهور الحكماء إلى أنّه شيء واحد متّصل وليس بذي مفاصل وأجزاء بالفعل يقبل الانقسام الوهمي والانفكاكي إلى ما لا يتناهى. ووافقهم محمّد الشهرستاني صاحب كتاب الملل والنحل ، إلّا أنّه اعتبر التناهي في الانقسامات.
ثمّ اختلف الحكماء ، فذهب أفلاطون ومن تابعة إلى أنّ ذلك الجوهر المتصل قائم بذاته غير حالّ في شيء آخر ، وهو الجسم المطلق. فهو عندهم جوهر بسيط لا تركيب منه بحسب الخارج أصلا ، وقابل لطريان الاتّصال والانفصال عليه مع بقائه في الحالين في ذاته. فهو من حيث هو جوهر ، وذاته يسمّى جسما ، ومن حيث قبوله للصور النوعيّة التي لأنواع الأجسام يسمّى هيولى. وذهب المحقّق الطوسي أيضا إلى هذا المذهب. وذهب أرسطو ومن تابعة إلى أنّ ذلك الجوهر المتّصل حالّ في جوهر آخر يسمّى بالهيولى.
وقال بعضهم : إنّ زبدة ما احتجّوا به على ذلك ـ بعد تجريده عن الزوائد والألفاظ المشتركة والمجازيّة التي توجب صعوبة الفهم وورود الإشكالات ـ أنّ