وأمّا العمل به من دون تعبّد بمقتضاه : فإن كان لرجاء إدراك الواقع ، فهو حسن ما لم يعارضه احتياط آخر ولم يثبت من دليل آخر وجوب العمل على خلافه ، كما لو ظنّ الوجوب واقتضى الاستصحاب الحرمة ؛ فإنّ الإتيان بالفعل محرّم وإن لم يكن على وجه التعبّد بوجوبه والتديّن به.
وإن لم يكن لرجاء إدراك الواقع : فإن لزم منه طرح أصل دلّ الدليل على وجوب الأخذ به حتّى يعلم خلافه ، كان محرّما أيضا ؛ لأنّ فيه طرحا للأصل الواجب العمل ، كما فيما ذكر من مثال كون الظنّ بالوجوب على خلاف استصحاب التحريم. وإن لم يلزم منه ذلك جاز العمل ، كما لو ظنّ بوجوب ما تردّد بين الحرمة والوجوب ، فإنّ الالتزام بطرف الوجوب لا على أنّه حكم الله المعيّن جائز ، لكن في تسمية هذا عملا بالظنّ مسامحة ، وكذا في تسمية الأخذ به من باب الاحتياط.
______________________________________________________
وأمّا الرابع فلكون الاستصحاب فيه عرضيّا لا عبرة به ، لأنّ الغرض من استصحاب الوجوب هو استصحاب وجوب الفحص الثابت في حال التمكّن من تحصيل القطع لإثبات وجوب الفحص المؤدّي إلى دليل ظنّي ، وهو إثبات لحكم موضوع علم ارتفاعه لموضوع آخر ، نظير استصحاب نجاسة المتولّد من حيوانين أحدهما طاهر والآخر نجس ، كما إذا نزى غنم على كلب فولدت ثالثا ، فباستصحاب النجاسة الحاصلة بملاقاته لأمّة حين الولادة قد حكم بعض الأصحاب بنجاسته الذاتيّة ، مع وضوح تغاير موضوع النجاستين.
وأمّا الخامس فلوجوب الفحص عليه حتّى يئول أمره إلى أحد الأمرين ، فيجري عليه حكمه. ومع عجزه عن استكشاف أحد الأمرين على وجه القطع لا شكّ في عدم خلوّ الواقع عن أحدهما ، لأنّه إمّا أن لا يكون هنا دليل قطعي في الواقع ، أو يكون لكن يفوت عن المكلّف حين الفحص ، وعلى التقديرين قد عرفت عدم جريان الاستصحاب ، إمّا لانتفاء الحالة السابقة ، وإمّا لكون مرجع الاستصحاب إلى انسحاب حكم موضوع علم انتفائه إلى موضوع آخر.