.................................................................................................
______________________________________________________
فإن قلت : كيف تحكم بوجوب الاحتياط مع أنّ هنا أصلا واردا عليه ، وهو استصحاب وجوب الفحص؟ وتوضيحه : أنّه لا خلاف من القائلين بوجوب العمل بالظنّ وحرمته في وجوب الفحص عن الدليل القطعي مع التمكّن من تحصيله. ومع الشكّ في تمكّنه من تحصيله ، وتردّد الأمر بين جواز العمل بالظنّ وحرمته ـ كما في محل الفرض من الشكّ في تحقّق الانسداد الأغلبي وعدمه ، إذ على تقدير الانسداد يجوز العمل به بلا خلاف ، ومع عدمه يحرم كذلك ـ يمكن استصحاب وجوب الفحص الثابت حال التمكّن من الفحص. فإذا تفحّص ، فإن وصل إلى دليل قطعي فهو ، وإلّا يجب عليه العمل بما ظفر به من الدليل الظنّي ، إذ الفرض وجوب هذا الفحص المؤدّي إلى دليل ظنّي. فإذا وجب هذا الفحص وجب العمل بما يؤدّي إليه أيضا ، إذ وجوب الفحص إنّما هو من باب المقدّمة للعمل ، فلا يعقل وجوب المقدّمة من دون وجوب ذيها.
قلت : إنّ من يجب عليه الفحص لا يخلو من أحوال ثلاث ، الاولى : أن يعلم فقدان الدليل القطعي وعدم إمكان الوصول إليه ولو مع الفحص. الثانية : أن يعلم بوجوده ، بأن يعلم بوصوله إليه لو تفحّص عنه. الثالثة : أن يشكّ في ذلك. وهي أيضا على أقسام. أحدها : أن يعلم بعد الفحص بانتفاء الدليل القطعي قبل الفحص. وثانيها : أن يعلم بعده أنّه كان هنا دليل قطعي ولكن قد فات عنه حين الفحص. وثالثها : أن لا يظهر له بعد الفحص شيء من الأمرين ، بأن بقي على شكّه الحاصل حين الفحص.
ولا مجرى للاستصحاب في شيء من هذه الأقسام أمّا الأوّل والثاني فواضح ، للعلم بعدم وجوبه في الأوّل ، وبوجوبه في الثاني ، مع أنّ الثاني خارج من فرض السؤال. وأمّا الثالث فلحصول العلم بعد الفحص بانتفاء الحالة السابقة ، إذ الفرض كون وجوب الفحص لتحصيل الدليل القطعي ، فإذا فرض فقدانه في الواقع ينتفي وجوبه أيضا ، إذ لا معنى لوجوب المقدّمة مع تعذّر ذيها.