.................................................................................................
______________________________________________________
الترجيح بالعدالة ، وكثرة التّتبع لكلام العرب ، والممارسة لفنون الأدب ، وغلبة الضبط ، وقلّة الخلط بين الحقيقة والمجاز كما اتّفق لكثير من المتأخّرين ، وقرب العهد من العرب العرباء ، وكون الناقل عربيّا وإن غلب عليه اللحن والتغيير ، فإن حفظ الأصل هيّن على التكميل ، وغير ذلك ممّا يوجب قوّة الظنّ. فإن تساويا فالأقرب وجوب تقديم الإثبات على النفي ، والبناء على الأعمّ مطلقا أو من وجه ، كما في لفظي الصعيد والغناء ، فإن أهل اللغة اختلفوا في أنّ الصعيد وجه الأرض مطلقا أو خصوص التراب ، وفي الغناء أنّه الصوت المطرب أو ترجيع الصوت. فنقول : الصعيد وجه الأرض مطلقا ، والغناء الصوت الذي فيه ترجيع أو طرب ، وذلك لأنّ ما يدّعيه النافي ، شهادة على النفي ومرجعها إلى عدم الوجدان بعد الفحص ، وعدم الوجدان لا يقتضي عدم الوجود ، وقد ادّعاه المثبت فيصدّق. وربّما يقال : إنّ الواجب في صورة التعارض الأخذ بما اتّفق فيه القولان وترك ما اختلفا فيه ، لأنّ اللغة توقيفيّة ، والتعارض يوجب التساقط ، فلا يحصل التوقيف. وفيه : أنّه قد حصل بقول المثبت ، وقول النافي لا يصلح للمعارضة كما عرفت» انتهى كلامه زيد إكرامه.
وهو حقّ لا يعتريه ريب. ومقتضاه الحكم بالاشتراك اللفظي مع التباين الكلّي. ومنه يظهر السرّ في عدم الحكم بالتخيير مع التعارض بخلاف متعارضات الأخبار ، لأنّ التخيير فرع التعارض وقد فرضنا عدمه في اللغات ، لأنّ مرجع قولي أهل اللغة مع تعارضهما إلى دعوى أحدهما وجدان أحد المعنيين وعدم وجدان الآخر لا نفيه ، وكذا الآخر. ومع تسليم نفي كلّ منهما لما يدّعيه الآخر لا دليل على اعتبار هذا النفي ، لأنّ ما دلّ على اعتبار قول أهل اللغة إنّما دلّ عليه في الإثبات دون النفي. ومن هنا يظهر أنّ المتّجه هو الحكم بالاشتراك مطلقا حتّى مع التصريح بالنفي. هذا بخلاف تعارض الأخبار ، لأنّ كلّا من المخبرين فيه ناف لما يخبر به الآخر ، وما دلّ على اعتبار خبر العدل مثلا قد دلّ على اعتباره مطلقا.