مدلول الدليل المعتبر عند الكلّ ، كانت حكايته حجّة ؛ لعموم أدلّة حجّية الخبر في المحسوسات ، وإلّا فلا ، وهذا يقول به كلّ من يقول بحجّية الخبر (*) في الجملة ، وقد اعترف بجريانه في نقل الشهرة وفتاوى آحاد العلماء.
ومن جميع ما ذكرنا يظهر الكلام في المتواتر المنقول ، وأنّ نقل التواتر في خبر لا يثبت حجّيته ولو قلنا بحجّية خبر الواحد ؛ لأنّ التواتر صفة في الخبر (٣٧٠) تحصل بإخبار جماعة تفيد العلم للسامع ، ويختلف عدده باختلاف خصوصيّات المقامات ، وليس كلّ تواتر ثبت لشخص ممّا يستلزم في نفس الأمر عادة تحقّق المخبر به ، فإذا
______________________________________________________
٣٧٠. فيه نظر ، لأنّ المتواتر عند الأكثر خبر جماعة يفيد بنفسه القطع بصدقه مع اعتبار كون الجماعة في الكثرة بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب. واحترزوا بنفسه عن خبر جماعة يفيد القطع بالقرائن الزائدة على ما ينفكّ الخبر عنه عادة من الامور الخارجة. وباعتبار الكثرة عمّا لو أفاد القطع بملاحظة خصوصيّات الخبر ، من جهة المخبر والسامع والمخبر به ، مثل كون المخبر موسوما بالصدق ، والسامع خاليا ذهنه عن الشبهة ، والمخبر به قريب الوقوع ، مع عدم بلوغ المخبرين في الكثرة إلى ما أشرنا إليه. ولذا عرّفه المحقّق القمّي رحمهالله بأنّه خبر جماعة يؤمن تواطؤهم على الكذب عادة ، وإن كانت للوازم الخبر مدخليّة في إفادة هذه الكثرة العلم. ولا ريب أنّ المتواتر بهذا المعنى لا ينفكّ عادة عن وقوع المخبر به ، فيكون نقل التواتر كنقل الاتّفاق الذي يلازم عادة موافقة قول الإمام عليهالسلام ، فإذا أخبر بالتواتر فقد أخبر بإخبار جماعة أفاد له العلم بالواقع بالملازمة العاديّة. وحينئذ يصحّ القول بحجّية نقل التواتر باعتبار كلّ من المنكشف والكاشف ، لفرض كونه ـ كما عرفت في الاصطلاح ـ عبارة عن إخبار جماعة يستلزم موافقة الواقع عادة. ومن هنا يظهر أنّه لا فرق بين قول الحلّي بتواتر حديث «إذا بلغ الماء كرّا لم يحمل خبثا» وبين
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : الواحد.