قال له الضحاك حين سمعه منه : لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلا (١).
التأويل الثاني : كذلك ، إلا أنّ الضمير في «أنهم» للرسل ، على معنى : ظن المرسل إليهم أن الرسل قد لبس عليهم وكذبوا فيما قيل لهم.
الثالث : أن يكون الضمير في قوله : «وظنوا» للرسل ، وهو مروي عن ابن عباس (٢).
قال في رواية ابن أبي مليكة : كانوا بشرا فضعفوا ويئسوا وظنوا أنهم أخلفوا ، ثم تلا قوله عزوجل : (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ)(٣) [البقرة : ٢١٤].
وهذا التأويل مزلة الأقدام ومدحضة الأفهام ، وفيه سر لا يفهمه إلا غوّاص على المعاني ، بحّاث عنها ، فإنه لا يجوز أن يظنّ بابن عباس أنه أراد بتأويله تطريق الشك الذي هو تغليب أحد الجانبين على الآخر أو تساويهما على رسل الله المعصومين عن مثل ذلك ، بل أراد ما يرد على القلب ويهجس (٤) فيه من حديث
__________________
(١) قول الضحاك هذا أخرجه الطبري (١٣ / ٨٤).
(٢) أخرجه الطبري (١٣ / ٨٦) وقال : هذا تأويل ، وقول غيره من أهل التأويل أولى عندي بالصواب وخلافه من القول أشبه بصفات الأنبياء والرسل إن جاز أن يرتابوا بوعد الله إياهم ويشكوا في حقيقة خبره مع معاينتهم من حجج الله وأدلته ما لا يعاينه المرسل إليهم ، فيعذروا في ذلك أن المرسل إليهم أولى في ذلك منهم بالعذر ، وذلك قول إن قاله قائل لا يخفى أمره ، وقد ذكر هذا التأويل الذي ذكرناه أخيرا عن ابن عباس لعائشة فأنكرته أشد النكرة فيما ذكر لنا.
(٣) أخرجه الطبراني في الكبير (١١ / ١٢٤) ، والطبري (١٣ / ٨٦). وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٥٩٦) وعزاه لابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبي الشيخ وابن مردويه.
(٤) الهجس : ما وقع في خلدك ، والهاجس : الخاطر (اللسان ، مادة : هجس).