قوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ) كان هذا القول منه حين أعرض عن هاجر ، وإسماعيل طفل صغير رضيع بواد لا أنيس فيه ولا ماء ولا طعام ، والمعنى : إنك تعلم ما نخفي من الوجد وكآبة فراق الولد ، وما نعلن من البكاء والدعاء.
وقال ابن عباس : ما نخفي من الوجد بمفارقة إسماعيل ، وما نعلن [من الحب له](١).
وقيل : «ما نعلن» وهو ما جرى بينه وبين هاجر [حين](٢) قالت له عند انصرافه عنهما تاركا لهما بفلاة من الأرض : إلى من تكلنا؟ قال : إلى الله. قالت : آلله آمرك بهذا؟ قال : نعم ، قالت : إذا لا يضيعنا.
وقال صاحب الكشاف (٣) : المعنى : أنك تعلم السر كما تعلم العلن علما [لا تفاوت فيه ، لأن غيبا من الغيوب لا يحتجب عنك. والمعنى : أنك أعلم بأحوالنا وما يصلحنا وما يفسدنا](٤) منا ، وأنت أرحم بنا وأنصح لنا منا بأنفسنا [ولها](٥) ، فلا حاجة إلى الدعاء والطلب ، وإنما ندعوك إظهارا للعبودية لك ، وتخشعا لعصمتك ، وتذللا لعزتك ، وافتقارا إلى ما عندك ، واستعجالا لنيل أياديك ، وولها إلى رحمتك ، وكما يتملق العبد بين يدي سيده ، رغبة في إصابة معروفه ، مع توفر
__________________
(١) زيادة من زاد المسير (٤ / ٣٦٨).
(٢) في الأصل : حتى. والتصويب من البحر المحيط (٥ / ٤٢٢).
(٣) الكشاف (٢ / ٥٢٥ ـ ٥٢٦).
(٤) زيادة من الكشاف (٢ / ٥٢٥).
(٥) زيادة من الكشاف ، الموضع السابق.