قوله تعالى : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) أي : أنزلناهم منزلا كريما مرضيا.
واختلف فيهم ؛ فقيل : هم أصحاب موسى (١).
وقيل : قريظة والنضير (٢).
فالمبوّأ الصدق على القول الأول : مصر والشام.
وعلى القول الثاني : ما بين الشام والمدينة من أرض يثرب.
(وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) المآكل المستلذّة ، (فَمَا اخْتَلَفُوا) وتشعبوا فرقا في دينهم وكتابهم (حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) واتضحت لهم البراهين واستنارت لهم أعلام الهدى ، وذلك بالتوراة والعلم الذي اكتسبوه من شريعتهم ـ على القول الأول ـ ، وبمحمد صلىاللهعليهوسلم والقرآن ـ على القول الثاني ـ ، كأنه قيل : فما اختلفوا في رسالة محمد وصفته حتى جاءهم العلم ، وهو البيان الذي لا يجامعه ريب بأنه هو النبي الموعود به المنعوت في كتابهم ، (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) قضاء فصل ومجازاة ، (فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) في الدين.
(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥) إِنَ
__________________
(١) وهو قول الضحاك. أخرجه الطبري (١١ / ١٦٦) ، وابن أبي حاتم (٦ / ١٩٨٥). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٣٨٩) وعزاه لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٢) ذكره الواحدي في : الوسيط (٢ / ٥٥٩) ، وابن الجوزي في : زاد المسير (٤ / ٦٢).