على سائر الأجسام ، فلومها وسؤالها شامل لجميع أجزاء البدن ، وإن أريد الأيدي والأرجل ؛ فلأنهما معتمد الجسد وبهما عامة أكسابه ، ويؤيده قوله تعالى : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [يس : ٦٥] ، وإن أريد الفروج ؛ فلأن جنايتها أشد من جناية البصر والسمع ، والعقوبة الكائنة بسببها أعظم.
وأما الثاني فجوابه أن يقال : لما كان مقصودهم بالسؤال اللوم بقولهم : لم شهدتم علينا؟ أجابوا واعتذروا : قالوا : أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء بالشهادة وألجأنا إليها بطريق القهر والاضطرار الذي أنطق كل شيء.
قال أنس بن مالك : «ضحك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات يوم حتى بدت نواجذه ، ثم قال : ألا تسألون ممّ ضحكت؟ فقالوا : ممّ ضحكت يا رسول الله؟ قال : عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة ، قال : يقول : يا رب أليس وعدتني ألا تظلمني؟ قال : فإن لك ذلك ، قال : فإني لا أقبل عليّ شاهدا إلا من نفسي ، قال : أو ليس كفى بي شهيدا والكرام الكاتبين؟ قال : فيختم على فيه ، وتتكلم أركانه بما كان يعمل ، فيقول لهنّ : بعدا لكنّ وسحقا ، عنكنّ كنت أجادل» (١). هذا حديث انفرد مسلم بإخراجه.
قال الله تعالى : (وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) هذا تقرير. المعنى : إنطاق الجوارح ، واستدلال على القدرة على ذلك بالخلق الأول.
قوله تعالى : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا
__________________
(١) أخرجه مسلم (٤ / ٢٢٨٠ ح ٢٩٦٩).