قال الواحدي ـ وقد ذكر هذا المعنى ـ (١) : هذه آية مشكلة ، ليس للمفسرين ولا [لأهل](٢) المعاني فيها بيان ينتهي إليه ، ويلفّق بينه وبين الآية التي قبلها ، وأقوالهم مختلفة متدافعة ، وقد بان واتضح المعنى فيما ذكرناه.
ولقد صدق الواحدي رحمهالله ، فإنني تتبعت كثيرا من كتب التفسير والمعاني ، فلم [أظفر](٣) بقول يكشف عن وجه المقصود ويوضح ارتباط إحدى الآيتين بالأخرى.
وفي الذي ذكره واعتقد اتضاح المعنى به وقفة.
والذي يظهر في نظري : أن المعنى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) من أهل الكتابين ، واستثمروا من إيمانهم علما جازما بمعرفة محمد صلىاللهعليهوسلم لا يستطيعون دفاعه عنهم ، بل يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، (اتَّقُوا اللهَ) بترك العناد والحسد ، (وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) الذي تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل ، (يُؤْتِكُمْ) ... إلى آخر الآية.
ثم قال : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) أي : يؤتكم إذا اتقيتم وآمنتم كفلين ، ويجعل لكم نورا ، ويغفر لكم ليعلم أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم أن لا (يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) ، إذ لو قدروا عليه لما رضوا لأنفسهم بخزي الدنيا وعذاب الآخرة ، وليعلموا أن الفضل بيد الله في ملكه وتصرفه وتحت قدرته ، فهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، وليس لهم إلى هداية أنفسهم والقدرة على شيء من فضل الله من الإسلام وغيره سبيل إلا بإذنه ، (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) ممن
__________________
(١) الوسيط (٤ / ٢٥٧).
(٢) في الأصل وب : أهل. والمثبت من الوسيط ، الموضع السابق.
(٣) في الأصل : أ. والمثبت من ب.