واعلم أنّ التفسير منه متفق عليه ومختلف فيه ، ثم إنّ المختلف فيه على ثلاثة أنواع :
الأوّل : اختلاف في العبارة ، مع اتفاق في المعنى : فهذا عدّه كثير من المؤلفين خلافا ، وليس في الحقيقة بخلاف لاتفاق معناه ، وجعلناه نحن قولا واحدا ، وعبّرنا عنه بأحد عبارات المتقدّمين ، أو بما يقرب منها ، أو بما يجمع معانيها.
الثاني : اختلاف في التمثيل لكثرة الأمثلة الداخلة تحت معنى واحد ، وليس مثال منها على خصوصه هو المراد ، وإنما المراد المعنى العامّ التي تندرج تلك الأمثلة تحت عمومه ، فهذا عدّه أيضا كثير من المؤلفين خلافا ، وليس في الحقيقة بخلاف ؛ لأنّ كل قول منها مثال ، وليس بكل المراد ، ولم نعدّه نحن خلافا : بل عبّرنا عنه بعبارة عامّة تدخل تلك تحتها ، وربما ذكرنا بعض تلك الأقوال على وجه التمثيل ، مع التنبيه على العموم المقصود.
الثالث : اختلاف المعنى ؛ فهذا هو الذي عددناه خلافا ، ورجحنا فيه بين أقوال الناس حسبما ذكرناه في خطبة الكتاب.
فإن قيل : ما الفرق بين التفسير والتأويل؟ فالجواب أن في ذلك ثلاثة أقوال : الأوّل أنهما بمعنى واحد. الثاني : أن التفسير للفظ ، والتأويل للمعنى. الثالث : وهو الصواب : أن التفسير : هو الشرح ، والتأويل : هو حمل الكلام على معنى غير المعنى الذي يقتضيه الظاهر ، بموجب اقتضى أن يحمل على ذلك ويخرج على ظاهره وأما القراءات : فإنها بمنزلة الرواية في الحديث ، فلا بد من ضبطها كما يضبط الحديث بروايته.
ثم إنّ القراءات على قسمين : مشهورة. وشاذة. فالمشهورة : هي القراءات السبع وما جرى مجراها : كقراءة يعقوب ، وابن محيصن. والشاذة ما سوى ذلك. وإنما بنينا هذا الكتاب على قراءة نافع (١) لوجهين : أحدهما أنها القراءة المستعملة في بلادنا بالأندلس وسائر بلاد المغرب. والأخرى اقتداء بالمدينة شرفها الله لأنها قراءة أهل المدينة. وقال مالك بن أنس : قراءة نافع سنة. وذكرنا من سائر القراءة ما فيها فائدة في المعنى والإعراب وغير ذلك. دون ما لا فائدة فيه زائدة. واستغنينا عن استيفاء القراءات لكونها مذكورة في الكتب المؤلفة فيها. وقد ألفنا فيها كتبا نفع الله بها. وأيضا فإنا لما عزمنا في هذا الكتاب على الاختصار حذفنا منه ما لا تدعو إليه الضرورة وقد ذكرنا في هذه المقدّمات بابا في قواعد أصول القراءات.
وأما أحكام القرآن فهي ما ورد فيه من الأوامر والنواهي. والمسائل الفقهية. وقال بعض العلماء إنّ آيات الأحكام خمسمائة آية. وقد تنتهي إلى أكثر من ذلك إذا استقصى تتبعها في مواضعها. وقد صنف الناس في أحكام القرآن تصانيف كثيرة. ومن أحسن تصانيف المشارقة فيها : تأليف إسماعيل [بن إسحاق المالكي] القاضي وابن الحسن كباه (٢)
__________________
(١). وهي المعروفة اليوم في شمال افريقيا بقراءة ورش وهو ممن أخذ عن نافع المدني وانظر ترجمتهما في آخر الكتاب.
(٢). كذا في النسخة المطبوعة.