الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (٣٨) إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠) انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٤٢) عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ
________________________________________________________
تخلفهم ، وأصل اثاقلتم تثاقلتم (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ) شرط وجزاء وهو العذاب في الدنيا والآخرة (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) شرط وجواب ، والضمير لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإن قيل : ارتبط هذا الشرط مع جوابه ، فالجواب : أن المعنى ؛ إن لم تنصروه أنتم فسينصره الله الذي نصره حين كان ثاني اثنين ، فدل بقوله نصره الله على نصره في المستقبل (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني خروجه من مكة مهاجرا إلى المدينة ، وأسند إخراجه إلى الكفار ، لأنهم فعلوا معه من الأذى ما اقتضى خروجه (ثانِيَ اثْنَيْنِ) هو أبو بكر الصديق (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ) يعني أبا بكر (إِنَّ اللهَ مَعَنا) يعني بالنصر واللطف (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) الضمير للرسول صلّى الله تعالى عليه وسلّم ، وقيل : لأبي بكر ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم نزل معه السكينة ، ويضعف ذلك بأن الضمائر بعدها للرسول عليهالسلام (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) يعني الملائكة يوم بدر وغيره (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى) يريد إذلالها ودحضها. (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) قيل هي : لا إله إلا الله ، وقيل : الدين كله.
(انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) أمر بالنفير إلى الغزو ، والخفة استعارة لمن يمكنه السفر بسهولة ، والثقل من يمكنه بصعوبة ، وقال بعض العلماء : الخفيف : الغني ، والثقيل : الفقير ، وقيل : الخفيف الشاب ، والثقيل الشيخ ، وقيل : الخفيف النشيط ، والثقيل الكسلان ، وهذه الأقوال أمثلة في الثقل والخفة ، وقيل : إن هذه الآية منسوخة بقوله : ليس على الضعفاء ولا على المرضى الآية (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً) الآية : نزلت هي وكثير مما بعدها في هذه السورة في المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك ، وذلك أنها كانت إلى أرض بعيدة وكانت في شدّة الحر وطيب الثمار والظلال ، فثقلت عليهم فأخبر الله في هذه الآية أن السفر لو كان لعرض من الدنيا ، أو إلى مسافة قريبة لفعلوه (بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) أي الطريق والمسافة (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ) إخبار بغيب وهو أنهم يعتذرون بأعذار كاذبة ويحلفون (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) أي يوقعونها في الهلاك بحلفهم الكاذبة ، أو تخلفهم عن الغزو (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) الآية : كان بعض المنافقين قد استأذن النبي صلىاللهعليهوسلم في التخلف عن غزوة تبوك فأذن لهم ، فعاتبه الله تعالى على إذنه لهم ، وقدم العفو على العتاب إكراما له