أبو طالب ، هذا الذي لم يترك النصح والنصرة لابن أخيه حتى آخر لحظةٍ من لحظات حياته ، ترك غيابه فراغاً في حياة النبي ( ص ) ترجمته لنا دموع النبي ، وأفصح عنه حزنه وأساه عليه .
وما مضت أيام على موت أبي طالب ، حتى واجه النبي مصيبةً أخرى ليست بأقل من مصابه بعمه ، فها هي خديجة أيضاً تحتظر ! خديجة التي بذلت مالها وحياتها في نصرة محمد صلّى الله عليه وآله وانجاح رسالته . . صاحبة اليد الكريمة التي كانت تمسح دموع محمد وآلامه وأحزانه . . هذه اليد بدأت ترتعد من وطأة المرض أيضاً . . وماتت خديجة ! بذلك فقد محمد ( ص ) عمه الذي رباه ونصره وضحى لأجله خلال أربعين عاماً أو تزيد ، كما فقد زوجته التي بذلت له مالها وواسته في جميع الخطوب ، والتي كانت تود أن تتحمل عن كل شيء ليسلم لرسالته .
هاتان الفاجعتان الأليمتان في أيام معدودات ، كل واحدة منهما على انفرادها تكفي لأن تترك أقوى النفوس كليمة مضعضعة ! فكيف وقد اجتمعتا على محمد ( ص ) في عام واحد ! لذلك ، فقد سمي هذا العام بعام « الحزن » .
ووجدت
قريش في موت أبي طالبٍ وخديجةَ ثغرةً واسعة يمكن معها النيْلُ من محمد ومضايقته ومطاردتهُ ، فأبو طالب كان الدرع الواقي والحصن الحصين للنبي ، وقريشٌ مهما بلغ بها التعسّفُ والحقد فإنها لن تستطيعَ الوصولَ إلى محمدٍ وأبو طالب حيّ ، أما الآن فقد هوى ذلك الحصن ، بل بالأحرى ذلك العملاق ، وبقي محمدٌ وحده في الساحة معه لفيف من الدهماء وبعض العبيد ، وقليل من بني هاشم ليسوا بذات أثر في نظر قريش ! لذلك فقد جدّت قريش في إيذائه والتنكيل بأصحابه ، وكان من أيسر أنواع الأذى الذي أنزلته به ـ بعد فقد عمه ـ أن مرّ عليه أحد سفهاء قريش ، فاغترف بكلتا يديه من التراب والأوساخ ، وألقاها على