مقامه فيه سبعة أشهر .
واهتم رسول الله ( ص ) بتوكيد الروابط بين المهاجرين والانصار ، وتأصيلها في نفوسهم على أساس التقوى والإِيمان ، فآخى بين المهاجرين والأنصار ، وأطفأ بهديه وبراعته نار الحقد بين الأوس والخزرج ، ولم يكتف ( صلّى الله عليه وآله ) بذلك ، بل حاول جاهداً تحقيق الوحدة بين جميع سكان يثرب من المسلمين والمشركين وأهل الكتاب من اليهود ، مخافة أن تثور بهم البغضاء والعصبيات وتعصف بهم الأحقاد فيصبح حينئذٍ بين خطرين ، خطر من داخل المدينة ، وخطر قريش ، وعندها يصاب هذا الدين الجديد بالنكسة ، لذلك كان ( ص ) قد أحكم الأمر فعقد معاهدةً بين المسلمين والفئات الأخرى من أهل المدينة ليحفظ وحدتها ويصون اهلها ويغلق الباب على المفسدين ، ولولا هذا التدبير الرائع ، لواجه صلوات الله عليه صعوبات ومشاق لا تقل في حجمها عن تلك التي واجهها من قريش في مكة .
والكلمة الأخيرة : فإن موقف الأنصار من الرسول والمهاجرين معه كان أشرف موقف يسجله تأريخ أمة ، نصروهم بعد أن خذلهم قومهم ، وقاسموهم آموالهم ، وآثروهم على انفسهم ووفروا لهم وسائل العمل حتى أصبح الكثير منهم في مصاف الأثرياء من أهل المدينة ، وقد أجمل الإِمام علي عليه السلام موقف الأنصار من المهاجرين بقوله مخاطباً مسلمي قريش :
«
إن حب الأنصار إيمان ، وبغضهم نفاق ، وقد قضوا ما عليهم ، وبقي ما عليكم ، واذكروا أن الله رغب لنبيكم عن مكة فنقله الى المدينة ، وكره له قريشاً فنقله إلى الأنصار ، ثم قدمنا عليهم دارهم ، فقاسمونا الأموال ، وكفوْنا العمل ، فصرنا منهم بين بذل الغني وايثار الفقير ، ثم حارَبنا الناسُ فوقوْنا بأنفسهم ، وقد أنزل الله تعالى فيهم آيةً من القرآن جمع لهم فيها بين خمس نِعَم فقال : ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ
وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ