وسوف لا ينقضي تعجبك من خصلة هي واحدة من مئات ! إمتاز بها الإِسلام دون غيره وكانت شاهداً من شواهد عظمته ، تلك هي قلب العقليات والعادات التي أفرزتها الجاهلية المقيتة ، وتسييسها من جديد على ضوء تعاليم الله سبحانه ، وقولبتها بشكل يعيد للإِنسانية شرفها ومجدها .
فمن كان يصدق أن حليفاً طريداً مشرداً عن أهله وقومه يصبح يوماً ما محط أنظارهم ومعقد آمالهم ؟!
أجل ، كان هذا أمراً مستبعداً لولا الإِسلام ، فقد استطاع بفترةٍ وجيزة أن يقضي على جل المظاهر الزائفة ، وأستطاع ان يعيد الحق الى نصابه .
والمقداد كان واحداً من المشردين ، نشأ حليفاً لكندة بادىء الأمر ـ تابعاً لأبيه ـ ثم حليفاً لبني مخزوم ، حتى قيّض له الإِلتحاق بركب الإِسلام وهو في عقده الرابع ليبدأ مسيرة الحياة الحرة الكريمة تاركاً وراءه كل قيود الجاهلية وأحكامها مسلماً وجهه لله وحده باذلاً نفسه لدين الله ، وحين استقر الأمر بالمسلمين ، ونصر الله نبيه ، أقبلت الوفود تترى على رسول الله صلّى الله عليه وآله مبايعةً له ومسلّمةً أمرها إلى الله ورسوله ، وكان منها وفد « بهراء » قبيلة المقداد ، فكان نزولهم عليه في داره . (١)
رحم الله أبا معبد ، فلقد كان واحداً من العظماء الذين يفخر التاريخ بهم وبمآثرهم .
____________________
(١) : راجع الكامل ٢ / ٢٩٠ .