ثم قرر نولدكه بعد هذا أن النص القرآني يعتبر على أحسن صورة من الكمال والمطابقة (١) .
لقد فتح ( نولدكه ) الطريق أمام القول بتحريف القرآن ، ثم بدا مدافعاً عنه ، مما بدا فيه متناقضاً بين السلب والإيجاب في الموضوع .
وإذا كان ما قدمه الاستاذ نولدكه قد تضاءل قيمة نظراً لتردده في الأمر ، وعدم وضوح الرؤية له فيه ، فإن ما كتبه الأستاذ بول بكثير من عدم التورع ، لا يمكن أن يتهاون فيه .
لقد ألقت مسألة التحريف التي أثارها بعض المستشرقين ، عند الأستاذ بول بثقلها ، فكتب عنها بحثاً في دائرة المعارف الإسلامية الألمانية (٢) .
اعتبر بول التحريف تغييراً مباشراً لصيغة مكتوبة ، وأن الأمر الذي حدا بالمسلمين إلى الاشتغال بهذه الفكرة هو ما جاء بالقرآن من آيات اتهم فيها محمدٌ صلىاللهعليهوآلهوسلم اليهود وبتغيير ما أنزل إليهم من كتب وبخاصة التوراة . ولكن عرضه للوقائع والشرائع التي جاءت في التوراة انطوى على إدراك خاطىء أثار عليه النقد والسخرية من جانب اليهود ، فكان في نظرهم مبطلاً .
وقد خلط ( بول ) في هذا البحث خلطاً غير متناسق ، واكبته فيه النزعات المنحرفة ، وصاحبه إسراف وإفراط لا يمتان إلى استكناه الحقائق بصلة .
والذي يهمنا من بحثه أن نشير إلى ما يلي (٣) :
أ ـ إن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يرد الحصول على تأييد أهل الكتاب بالمعنى الذي أشار إليه ، وإنما هو تعبير عن وحدة الديانات والشرائع والأنبياء في جميع الأطوار ، وأن أصول هذه الديانات واحدة ، وإن تغيير هذه الحقيقة
__________________
(١) ظ : نولدكه . تأريخ القرآن : ٢ / ٩٣ .
(٢) ظ : بول ، دائرة المعارف الإسلامية الألمانية : ٤ / ٦٠٤ ـ ٦٠٨ .
(٣) ظ : المؤلف ، المستشرقون والدراسات القرآنية : ٤٠ ـ ٤١ .