على ما افترض ـ وقوع التحريف بعد العصر الأموي .
أما الافتراض الأول ، وهو وقوع التحريف في عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فباطل إجماعاً ، بما تبين لنا من مدارسة ظاهرة الوحي ومعطياتها ، فقد ثبت أن الوحي منفصل عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في شخصيته المستقلة ، وأنه مؤتمن على الرسالة ، وقد أداها متكاملة غير منقوصة بنص القرآن الكريم : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا . . . ) (١) .
فلو كان هناك ما يمنع من الكمال ، لما أيده القرآن ، وأي مانع عنه أفظع من إباحة التحريف في النص الذي ثبت إعجازه ، وكان دليل رسالته ، وبرهان دعواه ، فهذا الافتراض ـ إذن ـ مرفوع عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعن البيئة التي رافقت القرآن في عصره إذ كان الحاكم والمشرع والآمر .
وأما ادعاء وقوعه في زمن الشيخين ، فلم يعضده دليل نصي أو عقلي ، وحرص الشيخين على النص القرآني أشهر من أن يذكر ، فالدعوى باطلة .
وأما في عهد عثمان ، فعثمان هو الذي وحد المصحف على لغة قريش ، والقراءات التي سبقت هذا التوحيد كانت اجتهادية في أغلب الظن ، ومظنة الخطأ لو وقعت في الاجتهاد ، فلا أساس لها في مس القرآن الكريم ، وانتشار القرآن آنذاك مانع كبير من أن يقع عليه شيء من التحريف ؛ وقد تعرض عثمان لثورة مضادة ، فما ادعى عليه شيء من هذا القبيل على الإطلاق ، فالدعوى ـ إذن ـ باطلة .
وأما في عهد الإمام علي عليهالسلام فلا يصح أن يقع التحريف للأسباب المتقدمة ، ولاعتبارات أخرى :
١ ـ إنّ حريجة الإمام علي عليهالسلام في الدين بل وفي الجزئيات التشريعية معلومة الحال ، فكيف تجاه أصل الدين ، ونظام الإسلام ، وهو القرآن ، فلو سبق أن امتدت له يد التحريف ، لما وقف متردداً في إرجاع الحق إلى
__________________
(١) المائدة : ٣ .