ولا يبطل ذلك بما نسب في الشرح الجديد للتجريد (١) الى أبي هاشم (۲) من أنه صرح بأن التذكر الذي يفعله العبد بقصده واختياره يولد العلم . لان ذلك العلم حاصل للعبد بسبب ما هو من فعله ( انتهى مضمونه ) (۳) .
لان العلم بالنظر حين التذكر الذي حصل بسبب فعل العبد وقصده و اختياره ، لا يخرج عن كونه ضرورياً من الله تعالى ، كحصول مشاهدتنا جسماً أبيض بسبب سعينا اليه ، وان كان كيفية ، وهي الالتفات من فعل العبد ، ومعلوم انها أيضاً ليست بنظر ، اذ ليست من جنس الحركة ، اذ لا أجزاء لها ، ولا تدريج فيها .
ثم حين تذكر النظر ، لا يخلو المنظور فيه ، من أن يكون نسياً منسيا ، أولا فعلى الثاني لا يخرج العلم به عن كونه من فعل العبد ، لانه مكلف به . ويمكنه أن يدفعه عن نفسه بشك أو شبهة ، فهو صادر عن العبد بمباشرة ، لا بتوليد عن نظر .
وعلى الاول يحصل العلم به بسبب تذكر النظر فقط ، اذ هو لازم بيّن له بالمعنى الاخص ، فليس مجامعاً للنظر ، وان كان مع تذكر النظر تفصيلا ، اذ ليس للتفصيل دخل فيه ، والا لم يحصل مع تذكره اجمالا .
_________________________
(۱) تجريد الكلام في تحرير عقائد الاسلام ، لسلطان الحكماء والمتكلمين الخواجه نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة ( ٦٧٢ هـ ) .
وشرحه الفاضل القوشجى علاءِ الدين علي بن محمد المتوفى سنة ( ۸۷۹ هـ ) .
(۲) أبو هاشم ، عبد السلام بن أبي علي محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي . المتكلم المشهور ، كان هو وأبوه من كبار المعتزلة . ولد سنة سبع وأربعين ومأتين و توفى لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شعبان سنة احدى وعشرين وثلثمائة ببغداد .
(۳) الشرح الجديد للتجريد ( البحث في الكيفيات النفسانية ) في شرح قول الماتن : وحصول العلم عن الصحيح واجب .