مسألة ٥: قال ابن الجنيد: لو وصّى رجل بغير خطّه و لم يشهد إلى أن يحضره الموت
فقال لجماعة من الشهود بحضرته: قد كتبت وصيّتي و تركتها عند زيد فاشهدوا عليّ بما فيها، ثمّ مات، كانت شهادتهم كلّهم كشهادتهم على شهادة زيد على الموصي.
فإن قال: قد جعلتها على نسختين عند زيد واحدة و عند عبد اللّه أخرى فاشهدوا عليّ بما فيهما، فأحضر زيد و عبد اللّه النسختين، قامت شهادة الشهود عليه مقام شهادتهم على شاهدين غير الآخرين.
و لو كانت ممّا كتبها بخطّه و لم يسترب به، جاز للشاهدين أن يشهدا عليه بما فيها إذا أمرهما بذلك.
و لو لم يشهد فيها ثمّ ذكر حالها و أخرجها المعدّلة عنده بعد موته، أنفذت.
و لو لم يقرأ الوصيّة على الشهود و طواها ثمّ قال: اشهدوا عليّ بما تضمّنته، فكتبوا، جازت الشهادة، و لو طبع عليها و قال لهم: اشهدوا عليّ بما فيها، فطبعوا مع طابعه، جاز لهم أن يشهدوا عليه بما فيها.
و في هذه الأحكام كلّها نظر، و الوجه: المنع من الجميع؛ لما سبق(١) من أنّه لا يجوز للشاهد أن يشهد بمجرّد معرفة خطّه.
البحث الثاني: في القبول.
مسألة ٦: الموصى له إن كان معيّنا،
كولده و زوجته و أجنبيّ معيّن، اشترط القبول، فلا يملك الموصى له الوصيّة إلاّ بالقبول؛ لأنّ الوصيّة عقد،
١- في ص ١٥-١٦، المسألة ٣.
فلا يتحقّق إلاّ بين اثنين عن تراض منهما، و الرضا من الأمور الباطنة، فلا بدّ من لفظ يدلّ عليه، و لأنّ الوصيّة تمليك مال لمن هو من أهل الملك متعيّن، فاعتبر قبوله، كالهبة.
و للشافعيّة خلاف(١) يأتي.
و إن كانت لغير معيّن، كالفقراء و المساكين و من لا يمكن حصرهم، كبني هاشم و بني تميم، أو على مصلحة، كمسجد أو قنطرة أو حجّ، لم تفتقر إلى القبول، و لزمت بالموت ما لم يكن قد رجع عنها؛ لأنّ اعتبار القبول من جميعهم متعذّر، فسقط اعتباره، كما لو وقف عليهم، و لا يتعيّن واحد منهم، فيكفي قبوله، و لأنّ الملك لا يثبت للموصى لهم، و إنّما يثبت لكلّ واحد منهم بالقبض، فيقوم قبضه مقام قبوله.
أمّا الآدمي المعيّن فيثبت له الملك، فيعتبر قبوله، و لا يشترط القبول لفظا، بل يكفي من الأفعال ما يدلّ عليه، كالأخذ و الفعل الدالّ على الرضا، كما في الهبة.
و يجوز القبول على الفور، أي: قبل الموت على خلاف، و على التراخي، أي: حين موت الموصي إجماعا.
مسألة ٧: اختلف علماؤنا،
فبعضهم(٢) اشترط وقوع القبول بعد موت الموصي، و لا يصحّ قبول الوصيّة و لا ردّها في حياة الموصي، و له الردّ و إن قبل في الحياة، و بالعكس - و هو المشهور عند الشافعيّة(٣) - لأنّه
١- العزيز شرح الوجيز ٦٣:٧، روضة الطالبين ١٣٥:٥.
٢- السيّد ابن زهرة في الغنية: ٣٠٦.
٣- المهذّب - للشيرازي - ٤٥٩:١، نهاية المطلب ٢٠٤:١١، الوسيط ٤٢٩:٤، حلية العلماء ٧٥:٦، التهذيب - للبغوي - ٩٢:٥، البيان ١٤٩:٨، العزيز شرح الوجيز ٦٣:٧، روضة الطالبين ١٣٥:٥.