و الوجه: الأوّل.
و حكي عن أحمد: أنّ الرجل إذا كتب وصيّة و ختم عليها و قال للشهود: اشهدوا عليّ بما في هذا الكتاب لا يجوز حتى يسمعوا منه ما فيه، أو يقرأ عليه فيقرّ بما فيه، و بعض أصحابه قبله - و العجب من أحمد أنّه قبل الخطّ المجرّد عن الختم و الإشهاد(١) ، فمعهما أولى بالقبول - و ممّن قبل ذلك مكحول و مالك و الليث و الأوزاعي و محمّد بن مسلمة و أبو عبيد و إسحاق؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله كان يكتب إلى عمّاله و أمرائه في أمر ولايته و أحكامه و سننه، ثمّ [ما] عمل به الخلفاء بعده من كتبهم إلى ولاتهم بالأحكام التي فيها الدماء و الفروج و الأموال يبعثون بها مختومة، و لا يعلم حاملها ما فيها، و أمضوها على وجوهها(٢).
و الوجه: الأوّل؛ لأنّه كتاب لا يعلم الشاهد ما فيه، فلم يجز أن يشهد عليه، مثل كتاب القاضي، و تلك المراسلات اعتمد فيها البناء على العادة و غلبة الظنّ بأمر الكاتب بما فيها مع معرفة الخطّ و قلّة الخطر فيها.
تذنيب: إذا ثبتت الوصيّة إمّا بالإشهاد أو بالإقرار، فإنّ حكمها يثبت و يعمل بها ما لم يعلم رجوعه عنها و إن طالت مدّته و تغيّرت أحوال الموصي، مثل أن يوصي في مرضه فيبرأ منه ثمّ يموت بعد؛ لأنّ الأصل بقاؤه، فلا يزول حكمه بمجرّد الاحتمال و الشكّ، كسائر الأحكام.
مسألة ٤: و يستحبّ أن يكتب الموصي وصيّته و يشهد عليها؛
لأنّه أحفظ لها و أحوط لما فيها.
١- راجع: الهامش (٤) من ص ١٥.
٢- المغني ٥٢٢:٦-٥٢٣، الشرح الكبير ٤٥٣:٦، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.
و قد روي عنهم عليهم السّلام: «ما ينبغي لمسلم أن يبيت ليلة إلاّ و وصيّته تحت رأسه»(١).
و ينبغي تصديرها بالعهد الذي رواه الصادق عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: من لم يحسن وصيّته عند الموت كان نقصا في مروءته و عقله، قيل: يا رسول اللّه و كيف يوصي الميّت ؟ قال: إذا حضرته وفاته و اجتمع الناس إليه، قال: اللّهمّ فاطر السموات و الأرض عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم، إنّي أعهد إليك في دار الدنيا أنّي أشهد أن لا إله إلاّ أنت وحدك لا شريك لك، و أنّ محمّدا عبدك و رسولك، و أنّ الجنّة حقّ و النار حقّ، و أنّ البعث حقّ و الحساب حقّ و القدر و الميزان حقّ، و أنّ القرآن كما أنزلت، و أنّك أنت اللّه الحقّ المبين، جزى اللّه محمّدا (صلّى اللّه عليه و اله) خير الجزاء، و حيّى اللّه محمّدا و آل محمّد بالسلام، اللّهمّ يا عدّتي عند كربتي و يا صاحبي عند شدّتي و يا وليّ نعمتي، إلهي و إله آبائي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا فإنّك إن تكلني إلى نفسي أقرب من الشرّ و أبعد من الخير، و آنس في القبر وحشتي، و اجعل لي عهدا يوم ألقاك منشورا، ثمّ يوصي بحاجته، و تصديق هذه الوصيّة في القرآن في السورة التي تذكر فيها مريم في قوله عزّ و جلّ: لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٢) فهذا عهد الميّت، و الوصيّة حقّ على كلّ مسلم أن يحفظ هذه الوصيّة و يعلّمها، و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: علّمنيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: علّمنيها جبرئيل»(٣).٥.
١- المقنعة: ٦٦٦.
٢- سورة مريم: ٧٨.
٣- الكافي ٢:٧-١/٣، الفقيه ١٣٨:٤-٤٨٢/١٣٩، التهذيب ١٧٤:٩-٧١١/١٧٥.