لعلّك تتّهمنا بشيء ، فتناول العنقود وأكل منه ثمّ ناوله فأكل منه الرضا عليهالسلام ثلاث حبّات ثمّ رمى به وقام ، فقال له المأمون : إلى أين؟ قال : « إلى حيث وجّهتني ».
وخرج عليهالسلام مغطّى الرأس فلم اكلّمه حتّى دخل الدار وأمر أن يغلق الباب فاغلق ثمّ نام عليهالسلام على فراشه ، ومكثت واقفا في صحن الدار مهموما محزونا ، فبينا أنا كذلك إذ دخل عليّ شابّ حسن الوجه قطط الشعر أشبه الناس بالرضا عليهالسلام فبادرت إليه وقلت : من أين دخلت والباب مغلق؟ فقال لي : « الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق ».
فقلت له : ومن أنت؟
فقال لي : « أنا حجة الله عليك يا أبا الصلت ، أنا محمّد بن عليّ ».
ثمّ مضى نحو أبيه عليهالسلام فدخل وأمرني بالدخول معه ، فلمّا نظر إليه الرضا عليهالسلام وثب إليه فعانقه وضمّه إلى صدره وقبّل ما بين عينيه ، ثمّ سحبه سحبا في فراشه وأكبّ عليه محمد بن علي يقبله ، وسارّه بشيء لم أفهمه ، ورأيت على شفتي الرضا زبدا أشد بياضا من الثلج ، ورأيت أبو جعفر يلحسه بلسانه ، ثمّ أدخل يده بين ثوبيه وصدره فاستخرج منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبو جعفر ، ومضى الرضا عليهالسلام.
فقال أبو جعفر : « قم يا أبا الصلت وائتني بالمغتسل والماء من الخزانة ».
فقلت : ما في الخزانة مغتسل ولا ماء.
فقال لي : « انته إلى ما أمرك به ».
فدخلت الخزانة ، فإذا فيها مغتسل وماء ، فأخرجته وشمّرت ثيابي لاغسّله معه ، فقال لي : « [ تنح ] يا أبا الصلت ، فإنّ معي من يعينني غيرك ».