لعاب الأبطال ، وبعث إلى اعظم قائد من قادة جيش الحسن الذين بايعوه على الموت دونه ، وأمسهم رحما به وهو عبيد الله بن العباس الذي جعله أميرا حتى على قيس بن سعد بن عبادة ذلك الزعيم العظيم الفارس المغوار المتفاني اخلاصا في حب الحسن وأبيه ، نعم : بعث إليه معاوية باكثر من خمسين الفا ، ووعده عند مجيئه إليه بمثلها ، فانسل إلى معاوية في جنح الظلام ، وأصبح الناس ولا أمير لهم فصلى بهم قيس ، وهوّن عليهم ، هذه الفادحة التي أوهت عزيمة الجيش ، وهيئتهم للهزيمة ، قبل النضال ، وقل ساعد الله قلبك يا أبا محمد كيف تحملت هذه الرزايا التي أقبلت عليك متتابعة كقطع الليل ، وصار معاوية يعمل بهذه الخطة مع كل بارز من الشيعة ورجالهم وأبطالهم فاستمالهم إليه جميعا ، ولم يستعص عليه ويسلم من مكره وحبائله إلا عدد قليل لا يتجاوز العشرة كقيس بن سعد ، وحجر بن عدى وأمثالهم ممن ناطحوا صخرة الظلم والضلال براسخ إيمانهم ، وما اختلجهم الشك في كفر معاوية وأبيه وبنيه ، طرفة عين ، وكان قيس « أقسم بالله أن لا يلقى معاوية إلا وبينهما الرمح أو السيف » في قضية معروفة ، هذا أول تدبير أتخذه معاوية للغلبة على الحسن ، واستبداده بالأمر واغتصاب الخلافة منه « الثاني » وهي حيلة تأثيرها أشد من الأولى استطابها السواد الأعظم وانجرف إليها الرأي العام تلك دعوى معاوية الحسن إلى الصلح (١) نعم : أشد ما فتّ في عضد الحسن طلب معاوية الصلح ، فقد كانت أفتك غيلة ، وأهلك حيلة لأن المال كان يستميل به معاوية عيون الرجال ، والخواص منهم ، اما العامة فلا ينالهم منه شيء ولكن الناس
__________________
(١) وهي تضارع خديعته في رفع المصاحف التي استطابها الجيش العراقي فلم يقرر حق مصيره بعد ما أشرف على الفتح والظفر.