ينقطع كلامهم ولا تمت الحجة عليهم قطعا. ففي جملة ما علمه الله تعالى آدم من الاسماء أمر ينفع العاصي إذا عصى والمذنب إذا أذنب ، فلعل تلقيه من ربه كان متعلقا بشئ من تلك الاسماء فافهم ذلك.
وإعلم أن آدم عليهالسلام وإن ظلم نفسه في القائها إلى شفا جرف الهلكة ومنشعب طريقي السعادة والشقاوة أعني الدنيا ، فلو وقف في مهبطة فقد هلك ، ولو رجع إلى سعادتة الاولى فقد أتعب نفسه وظلمها ، فهو عليهالسلام ظالم لنفسه على كل تقدير ، إلا أنه عليهالسلام هيأ لنفسه بنزوله درجة من السعادة ومنزلة من الكمال ما كان ينالها لو لم ينزل وكذلك ماكان ينالها لو نزل من غير خطيئة.
فمتى كان يمكنه أن يشاهد ما لنفسه من الفقر والمذلة والمسكنة والحاجة والقصور وله في كل ما يصيبه من التعب والعناء والكد روح وراحة في حظيرة القدس وجوار رب العالمين ، فلله تعالى صفات من عفو ومغفرة وتوبة وستر وفضل ورأفة ورحمة لا ينالها إلا المذنبون ، وله في أيام الدهر نفحات يرتاح بها إلا المتعرضون.
فهذه التوبة هي التي إستدعت تشريع الطريق الذي يتوقع سلوكه وتنظيف المنزل الذي يرجى سكونة ، فورائها تشريع الدين وتقويم الملة.
ويدل على ذلك ما تراه أن الله تعالى يكرر في كلامه تقدم التوبة على الايمان. قال تعالى : ( فإستقم كما امرت ومن تاب معك ) هود ـ ١١٢ ، وقال : ( وإني لغفار لمن تاب وآمن ) طه ـ ٨٢ ، إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى : قلنا إهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى. وهذا أول ما شرع من الدين لآدم عليهالسلام وذريته ، أوجز الدين كله في جملتين لا يزاد عليه شئ إلى يوم القيامة.
وأنت إذا تدبرت هذه القصة ( قصة الجنة ) وخاصة ما وقع في سورة طه وجدت أن المستفاد منها أن جريان القصة أوجب قضائين منه تعالى في آدم وذريته ، فأكل الشجرة أوجب حكمه تعالى وقضائه بالهبوط والاستقرار في الارض والحيوة