وذلك إن الحمد توصيف ، وقد نزه سبحانه نفسه عن وصف الواصفين من عباده حيث قال : ( سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين ) الصافات ـ ١٦٠. والكلام مطلق غير مقيد ولم يرد في كلامه تعالى ما يؤذن بحكاية الحمد عن غيره إلا ما حكاه عن عدة من أنبيائه المخلصين ، قال تعالى في خطابه لنوح عليهالسلام ( فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين ) المؤمنون ـ ٢٨. وقال تعالى حكاية عن إبراهيم عليهالسلام : ( الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق ) ابراهيم ـ ٣٩. وقال تعالى لنبيه محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم في بضعة مواضع من كلامه : ( وقل الحمد لله ) النمل ـ ٩٣. وقال تعالى حكاية عن داود وسليمان عليهماالسلام ( وقالا الحمد لله ) النمل ـ ١٥. وإلا ما حكاه عن أهل الجنة وهم المطهرون من غل الصدور ولغو القول والتأثيم كقوله : ( وآخر دعويهم أن الحمد لله رب العالمين ) يونس ـ ١٠.
وأما غير هذه الموارد فهو تعالى وان حكى الحمد عن كثير من خلقه بل عن جميعهم ، كقوله تعالى : ( والملائكة يسبحون بحمد ربهم ) الشورى ـ ٥. وقوله ( ويسبح الرعد بحمده ) الرعد ـ ١٣. وقوله ( وإن من شئ إلا يسبح بحمده ) الاسراء ـ ٤٤. إلا أنه سبحانه شفع الحمد في جميعها بالتسبيح بل جعل التسبيح هو الاصل في الحكاية وجعل الحمد معه ، وذلك أن غيره تعالى لا يحيط بجمال أفعاله وكمالها كما لا يحيطون بجمال صفاته وأسمائه التي منها جمال الافعال ، قال تعالى : ( ولا يحيطون به علما ) طه ـ ١١٠ فما وصفوه به فقد أحاطوا به وصار محدودا بحدودهم مقدرا بقدر نيلهم منه ، فلا يستقيم ما أثنوا به من ثناء إلا من بعد أن ينزهوه ويسبحوه عن ما حدوه وقدروه بافهامهم ، قال تعالى : ( ان الله يعلم وانتم لا تعلمون ) النحل ـ ٧٤ ، وأما المخلصون من عباده تعالى فقد جعل حمدهم حمده ووصفهم وصفه حيث جعلهم مخلصين له ، فقد بان ان الذي يقتضيه أدب العبودية ان يحمد العبد ربه بما حمد به نفسه ولا يتعدى عنه ، كما في الحديث الذي رواه الفريقان عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ( لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك الحديث ) فقوله في أول هذه السورة : الحمد لله ، تأديب بادب عبودي ، ما كان للعبد