الملكين ببابل هاروت وماروت ، والحال انهما ما يعلمان السحر من أحد حتى يحذراه العمل به ويقولا انما نحن فتنة لكم وامتحان تمتحنون بنا بما نعلمكم فلا تكفر باستعماله.
قوله تعالى : فيتعلمون منهما أي من الملكين وهما هاروت وماروت ، ما يفرقون به أي سحرا يفرقون بعمله وتأثيره بين المرء وزوجه.
قوله تعالى : وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ، دفع لما يسبق إلى الوهم إنهم بذلك يفسدون أمر الصنع والتكوين ويسبقون تقدير الله ويبطلون أمره فدفعه بأن السحر نفسه من القدر لا يؤثر إلا بإذن الله فما هم بمعجزين ، وانما قدم هذه الجملة على قوله : ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ، لان هذه الجملة أعني : ويتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ، وحدها مشتملة على ذكر التأثير فأردفت بأن هذا التأثير بإذن الله.
قوله تعالى : ولقد علموا لمن اشتريه ما له في الآخرة من خلاق ، علموا ذلك بعقولهم لان العقل لا يرتاب في أن السحرأ شئم منابع الفساد في الاجتماع الانساني وعلموا ذلك أيضا من قول موسى فانه القائل : ( ولا يفلح الساحر حيث أتى ) طه ـ ٦٩.
قوله تعالى : ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ، اي إنهم مع كونهم عالمين بكونه شرا لهم مفسدا لآخرتهم غير عالمين بذلك حيث لم يعملوا بما علموا فإن العلم إذا لم يهد حامله إلى مستقيم الصراط كان ضلالا وجهلا لا علما ، قال تعالى : ( أفرأيت من إتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم ) الجاثية ـ ٢٣.
فهؤلاء مع علمهم بالامر ينبغي أن يتمنى المتمني لهم العلم والهداية.
قوله تعالى : ولو انهم آمنوا واتقوا ، الخ أي اتبعوا الايمان والتقوى ، بدل اتباع اساطير الشياطين ، والكفر بالسحر ، وفيه دليل على أن الكفر بالسحر كفر في مرتبة العمل كترك الزكوة ، لا كفر في مرتبة الاعتقاد ، ولو كان السحر كفرا في الاعتقاد لقال تعالى : ولو أنهم آمنوا لمثوبة ، الخ ، وإقتصر على الايمان ولم يذكر التقوى فاليهود آمنوا ولكن لما لم يتقوا ولم يرعوا محارم الله ، لم يعبأ بإيمانهم فكانوا كافرين.