فأطلق القول ولم يقيد ، فما من خلط أو دس إلا ويدفعه القرآن ويظهر خسار صاحبه بالكشف عن حاله وإقراء صفحة تاريخة ، وقال رسول الله فيما رواه الفريقان : ما وافق كتاب الله فخذوه وما خالفه فاتركوه. فأعطى ميزانا كليا يوزن به المعارف المنقولة منه ومن أوليائه ، وبالجملة فبالقرآن يدفع الباطل عن ساحة الحق ثم لا يلبث أن يظهر بطلانه ويمات عن القلوب الحية كما اميت عن الاعيان. تعالى : ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه ) الانبياء ـ ١٨ ، وقال تعالى : ( ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ) الانفال ـ ٧ ، وقال تعالى : ( ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون ) الانفال ـ ٨ ولا معنى لاحقاق الحق ولا لابطال الباطل إلا إظهار صفتهما.
وبعض الناس وخاصة من أهل عصرنا من المتوغلين في الابحاث المادية والمرعوبين من المدنية الغربية الحديثة استفادوا من هذه الحقيقة المذكورة سوء وأخذوا بطرح جميع ما تضمنته سنة رسول الله واشتملت عليه جوامع الروايات فسلكوا في ذلك مسلك التفريط ، قبال ما سلكه بعض الاخباريين وإصحاب الحديث والحرورية وغيرهم مسلك الافراط والاخذ بكل رواية منقولة كيف كانت. وكما أن القبول المطلق تكذيب للموازين المنصوبة في الدين لتميز الحق من الباطل ونسبة الباطل واللغو من القول إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كذلك الطرح الكلي تكذيب لها وإلغاء وإبطال للكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو القائل جل ثنائه : ( ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) الحشر ـ ٧ ، وقوله تعالى : ( وما إرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ) النساء ـ ٦٤ ، إذ لو لم يكن لقول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حجية أو لما ينقل من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلينا معاشر الغائبين في عصره أو الموجودين بعد ارتحاله من الدنيا حجية لما استقر من الدين حجر على حجر ، والركون على النقل والحديث مما يعنوره البشر ويقبله في حيوتة الاجتماعية قبولا يضطر إليه بالبداهة ويهديه إلى ذلك الفطرة الانسانية لا غنى له عن ذلك ، وأما وقوع الدس والخلط في المعارف المنقولة الدينية فليس ببدع يختص بالدين كيف ورحى الاجتماع بجميع جهاتها وأركانها تدور على الاخبار الدائرة اليومية العامة والخاصة ، ووجوده الكذب والدس والخلط فيها أزيد وأيدي السياسات الكلية والجزئية بها ألعب ؟ ونحن على فطرتنا