الكهف ـ ١١٠.فعد الاشراك ممكنا ولذلك نهى عنه ، والنهى لا يمكن الا عن ممكن مقدور بخلاف الاستكبار عن العبادة فانه لا يجامعها.
والعبودية انما يستقيم بين العبيد ومواليهم فيما يملكه الموالي منهم ، واما ما لا يتعلق به الملك من شئون وجود العبد ككونه ابن فلان أو ذا طول في قامته فلا يتعلق به عبادة ولا عبودية ، لكن الله سبحانه في ملكه لعباده على خلاف هذا النعت فلا ملكه يشوبه ملك ممن سواه ولا ان العبد يتبعض في نسبته إليه تعالى فيكون شئ منه مملوكا وشئ ، آخر غير مملوك ، ولا تصرف من التصرفات فيه جائز وتصرف آخر غير جائز كما ان العبيد فيما بيننا شئ منهم مملوك وهو افعالهم الاختيارية وشئ غير مملوك وهو الاوصاف الاضطرارية ، وبعض التصرفات فيهم جائز كالاستفادة من فعلهم وبعضها غير جائز كقتلهم من غير جرم مثلا ، فهو تعالى مالك على الاطلاق من غير شرط ولا قيد وغيره مملوك على الاطلاق من غير شرط ولا قيد فهناك حصر من جهتين ، الرب مقصور في المالكية ، والعبد مقصور في العبودية ، وهذه هي التي يدل عليه قوله : اياك نعبد حيث قدم المفعول واطلقت العبادة.
ثم ان الملك حيث كان مقتوم الوجود بمالكه كما عرفت مما مر ، فلا يكون حاجبا عن مالكه ولا يحجب عنه ، فانك إذا نظرت إلى دار زيد فان نظرت إليها من جهة انها دار امكنك ان تغفل عن زيد ، وان نظرت إليها بما انها ملك زيد لم يمكنك الغفلة عن مالكها وهو زيد.
ولكنك عرفت ان ما سواه تعالى ليس له الا المملوكية فقط وهذه حقيقتة فشئ منه في الحقيقة لا يحجب عنه تعالى ، ولا النظر إليه يجامع الغفلة عنه تعالى ، فله تعالى الحضور المطلق ، قال سبحانه : ( أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد ألا انهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شئ محيط ) حم السجدة ـ ٥٤ وإذا كان كذلك فحق عبادته تعالى ان يكون عن حضور من الجانبين.
اما من جانب الرب عزوجل ، فان يعبد عبادة معبود حاضر وهو الموجب للالتفات المأخوذ في قوله تعالى ( اياك نعبد ) عن الغيبة إلى الحضور.