واما من جانب العبد ، فان يكون عبادته عبادة عبد حاضر من غير ان يغيب في عبادته فيكون عبادته صورة فقط من غير معنى وجسدا من غير روح ، أو يتبعض فيشتغل بربه وبغيره ، اما ظاهرا وباطنا كالوثنيين في عبادتهم لله ولاصنامهم معا ، أو باطنا فقط كمن يشتغل في عبادته بغيره تعالى بنحو الغايات والاغراض ، كأن يعبد الله وهمه في غيره ، أو يعبد الله طمعا في جنة أو خوفا من نار فان ذلك كله من الشرك في العبادة الذي ورد عنه النهي ، قال تعالى : ( فا عبد الله مخلصا له الدين ) الزمر ـ ٢ ، وقال تعالى : ( ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون ) الزمر ـ ٣.
فالعبادة إنما تكون عبادة حقيقة ، إذا كان على خلوص من العبد وهو الحضور الذي ذكرناه ، وقد ظهر انه انما يتم إذا لم يشتغل بغيره تعالى في عمله فيكون قد اعطاه الشركة مع الله سبحانه في عبادته ولم يتعلق قلبه في عبادته رجائا أو خوفا هو الغاية في عبادته كجنة أو نار فيكون عبادته له لا لوجه الله ، ولم يشتغل بنفسه فيكون منافيا لمقام العبودية التي لا تلائم الانية والاستكبار ، وكأن الاتيان بلفظ المتكلم مع الغير للايماء إلى هذه النكتة فان فيه هضما للنفس بالغاء تعينها وشخوصها وحدها المستلزم لنحو من الانية والاستقلال بخلاف ادخالها في الجماعة وخلطها بسواد الناس فان فيه امحاء التعين واعفاء الاثر فيؤمن به ذلك.
وقد ظهر من ذلك كله : ان اظهار العبودية بقوله : إياك نعبد ، لا يشتمل على نقص من حيث المعنى ومن حيث الاخلاص الا ما في قوله : اياك نعبد من نسبة العبد العبادة إلى نفسه المشتمل بالاستلزام على دعوى الاستقلال في الوجود والقدرة والارادة مع انه مملوك والمملوك لا يملك شيئا ، فكأنه تدورك ذلك بقوله تعالى واياك نستعين ، أي انما ننسب العبادة إلى انفسنا وندعيه لنا مع الاستعانة بك لا مستقلين بذلك مدعين ذلك دونك ، فقوله : إياك نعبد واياك نستعين ؛ لابداء معنى واحد وهو العبادة عن اخلاص ، ويمكن ان يكون هذا هو الوجه في اتحاد الاستعانة والعبادة في السياق الخطابي حيث قيل اياك نعبد واياك نستعين من دون ان يقال : اياك نعبد اعنا واهدنا الصراط المستقيم