قوله : إن الله اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا ، يستفاد ذلك من قوله تعالى : ( ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين ـ إلى قوله ـ من الشاهدين ) الانبياء ـ ٥٦ ، وهو اتخاذ بالعبودية في أول أمر إبراهيم.
واعلم ان اتخاذه تعالى أحدا من الناس عبدا غير كونه في نفسه عبدا ، فإن العبدية من الوازم الايجاد والخلقة ، لا ينفك عن مخلوق ذي فهم وشعور ، ولا يقبل الجعل والاتخاذ وهو كون الانسان مثلا مملوك الوجود لربه ، مخلوقا مصنوعا له ، سواء جرى في حيوته على ما يستدعيه مملوكيته الذاتية ، واستسلم لربوبية ربه العزيز ، أو لم يجر على ذلك ، قال تعالى : ( إن كل من في السموات والارض إلا آتي الرحمن عبدا ) مريم ـ ٩٤ ، وإن كان إذا لم يجر على رسوم العبودية وسنن الرقية استكبارا في الارض وعتوا كان من الحري أن لا يسمى عبدا بالنظر إلى الغايات ، فإن العبد هو الذي أسلم وجه لربه ، وأعطاه تدبير نفسه ، فينبغي أن لا يسمى بالعبد إلا من كان عبدا في نفسه وعبدا في عمله ، فهو العبد حقيقة ، قال تعالى : ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا ) الفرقان ـ ٦٣. وعلي هذا فاتخاذه تعالى إنسانا عبدا ـ وهو قبول كونه عبدا والاقبال عليه بالربوبية ـ هو الولاية وهو تولي أمره كما يتولى الرب أمر عبده ، والعبودية مفتاح للولاية ، كما يدل عليه قوله تعالى : ( قل إن وليي الله الذي نزل الكتاب بالحق ، وهو يتولى الصالحين ) الاعراف ـ ١٩٦ ، أي اللائقين للولاية ، فأنه تعالى سمى النبي في آيات من كتابه بالعبد ، قال تعالى : ( الذي أنزل على عبده الكتاب ) الكهف ـ ١ ، وقال تعالى : ( ينزل على عبده آيات بينات ) الحديد ـ ٩ ، وقال تعالى : ( قام عبد الله يدعوه ) الجن ـ ١٩ ، فقد ظهر أن الاتخاذ للعبودية هو الولاية.
وقوله عليهالسلام : وإن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا ، الفرق بين النبي الرسول على ما يظهر من الروايات المروية عن أئمة أهل البيت : أن النبي هو الذي يرى في المنام ما يوحي به إليه ، والرسول هو الذي يشاهد الملك فيكلمة ، والذي يظهر من قصص إبراهيم هو هذا الترتيب ، قال تعالى : ( واذكر في الكتاب ابراهيم انه كان صديقا نبيا ، إذ قال لابيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ، ولا يبصر ، ولا يغني عنك شيئا ) مريم ـ ٤٢ ، فظاهر الآية أنه عليهالسلام كان صديقا نبيا حين يخاطب أباه بذلك ، فيكون هذا تصديقا لما أخبر به ابراهيم عليهالسلام في أول وروده على قومه : ( انني