أيضا : ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ، تؤمنون بالله ورسوله ) : ( وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ) الصف ـ ١١ ، وفيه إرشاد المؤمنين إلى الايمان ، فالايمان غير الايمان.
الثالثه : ما يلي الايمان بالمرتبة الثانية فإن النفس إذا أنست بالايمان المذكور وتخلقت بأخلاقه تمكنت منها وانقادت لها سائر القوى البهيمية والسبعية ، وبالجملة القوى المائلة إلى هوسات الدنيا وزخارفها الفانية الداثرة ، وصار الانسان يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه ، ولم يجد في باطنه وسره ما لا ينقاد إلى أمره ونهيه أو يسخط من قضائه وقدره ، قال الله سبحانه : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) النساء ـ ٦٥ ، ويتعقب هذه المرتبة من الاسلام المرتبة الثالثة من الايمان ، قال الله تعالى ( قد أفلح المؤمنون ) إلى أن قال : ( والذين هم عن اللغو معرضون ) المؤمنون ـ ٣ ، ومنه قوله تعالى : ( إذ قال له ربه أسلم ، قال أسلمت لرب العالمين ) إلى غير ذلك ، وربما عدت المرتبتان الثانية والثالثة مرتبة واحدة.
والاخلاق الفاضلة من الرضاء والتسليم ، والحسبة والصبر في الله ، وتمام الزهد والورع ، والحب والبغض في الله من لوازم هذه مرتبة.
الرابعة : ما يلي ، المرتبة الثالثة من الايمان فإن حال الانسان وهو في المرتبة السابقة مع ربه حال العبد المملوك مع مولاه ، إذ كان قائما بوظيفة عبوديته حق القيام ، وهو التسليم الصرف لما يريده المولى أو يحبه ويرتضيه ، والامر في ملك رب العالمين لخلقة أعظم من ذلك وأعظم وإنه حقيقة الملك الذي لا استقلال دونه لشئ من الاشياء لا ذاتا ولا صفة ، ولا فعلا على ما يليق بكبريائه جلت كبريائه.
فالانسان ـ وهو في المرتبة السابقة من التسليم ـ ربما أخذته العناية الربانية فاشهدت له أن الملك لله وحده لا يملك شئ سواه لنفسه شيئا إلا به لا رب سواه ، وهذا معنى وهبي ، وإفاضة إلهية لا تأثير لارادة الانسان فيه ، ولعل قوله تعالى : ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك ، وأرنا مناسكنا ، الآية ، إشارة