في حيوته السعيدة إلى جمع كلا الكمالين والسعادتين المادية والمعنوية ، فهذه الامة هي الوسط العدل الذي به يقاس ويوزن كل من طرفي الافراط والتفريط فهي الشهيدة على سائر الناس الواقعة في الاطراف والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو المثال الاكمل من هذه الامة ـ هو شهيد على نفس الامة فهو صلىاللهعليهوآلهوسلم ميزان يوزن به حال الآحاد من الامة ، والامة ميزان يوزن به حال الناس ومرجع يرجع إليه طرفا الافراط والتفريط ، هذا ما قرره بعض المفسرين في معنى الآية وهو في نفسه معنى صحيح لا يخلو عن دقة إلا أنه غير منطبق على لفظ الآية فإن كون الامة وسطا إنما يصحح كونها مرجعا يرجع إليه الطرفان ، وميزانا يوزن به الجانبان لا كونها شاهدة تشهد على الطرفين ، أو يشاهد الطرفين ، فلا تناسب بين الوسطية بذاك المعنى والشهادة وهو ظاهر ، على أنه لا وجه حينئذ للتعرض بكون رسول الله شهيدا على الامة إذ لا يترتب شهادة الرسول على الامة على جعل الامة وسطا ، كما يترتب الغاية على المغيى والغرض على ذيه.
على أن هذه الشهادة المذكورة في الآية ، حقيقة من الحقائق القرآنية تكرر ذكرها في كلامه سبحانه ، واللائح من موارد ذكرها معنى غير هذا المعنى ، قال تعالى ( فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) النساء ـ ٤١ ، وقال تعالى ( ويوم نبعث من كل امة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون ) النحل ـ ٨٤ ، ( وقال تعالى ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء ) الزمر ـ ٦٩ ، والشهادة فيها مطلقة وظاهر الجميع على اطلاقها هو الشهادة على اعمال الامم ، وعلى تبليغ الرسل أيضا ، كما يومي إليه قوله تعالى ( ولنسئلن الذين ارسل إليهم ولنسئلن المرسلين ) الاعراف ـ ٦ ، وهذه الشهادة وإن كانت في الآخرة يوم القيمة لكن تحملها في الدنيا على ما يعطيه قوله تعالى ـ حكاية عن عيسى عليهالسلام ـ ( وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد ) المائدة ـ ١١٧ ، وقوله تعالى ( ويوم القيمة يكون عليهم شهيدا ) النساء ـ ١٥٩ ، ومن الواضح أن هذه الحواس العادية التي فينا ، والقوى المتعلقة بها منا لا تتحمل إلا صور الافعال والاعمال فقط ، وذلك التحمل أيضا ، إنما يكون في شئ يكون موجودا حاضرا عند الحس لا معدوما ولا غائبا عنه وأما حقائق الاعمال والمعاني النفسانية من الكفر والايمان والفوز والخسران ، وبالجملة كل خفي عن الحس ومستبطن عند الانسان ـ وهي التي تكسب