فان قلت : قوله تعالى ( والذين آمنوا بالله ورسله اؤلئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم ) الحديد ـ ١٩ ، يدل على كون عامة المؤمنين شهداء.
قلت : قوله عند ربهم ، يدل على أنه تعالى سيلحقهم بالشهداء يوم القيامة ، ولم ينالوه في الدنيا ، نظير ذلك قوله تعالى ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنابهم ذريتهم ) الطور ـ ٢١ ، على ان الآية مطلقة تدل على كون جميع المؤمنين من جميع الامم شهداء عند الله من غير اختصاص بهذه الامة فلا ينفع المستدل شيئا.
فان قلت : جعل هذه الامة امة وسطا بهذا المعنى لا يستتبع كونهم أو كون بعضهم شهداء على الاعمال ولا كون الرسول شهيدا على هؤلاء الشهداء فالاشكال وارد على هذا التقريب كما كان واردا على التقريب السابق.
قلت : معنى الشهادة غاية متفرعة في الآية على جعل الامة وسطا فلا محالة تكون الوسطية معنى يستتبع الشهادة والشهداء ، وقد قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتبيكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سميكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فاقيموا الصلوة وآتوا الزكوة واعتصموا بالله هو موليكم ، فنعم المولى ونعم النصير ) الحج ـ ٧٨ ، جعل تعالى كون الرسول شهيدا عليهم وكونهم شهداء على الناس غاية متفرعة على الاجتباء ونفي الحرج عنهم في الدين ثم عرف الدين بأنه هو الملة التي كانت لابيكم إبراهيم الذي هو سميكم المسلمين من قبل ، وذلك حين دعا لكم ربه وقال : « ومن ذريتنا أمة مسلمة لك » فاستجاب الله دعوته وجعلكم مسلمين ، تسلمون له الحكم والامر من غير عصيان واستنكاف ، ولذلك ارتفع الحرج عنكم في الدين ، فلا يشق عليكم شئ منه ولا يحرج ، فأنتم المجتبون المهديون إلى الصراط ، المسلمون لربهم الحكم والامر ، وقد جعلناكم كذلك ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ، أي تتوسطوا بين الرسول وبين الناس فتتصلوا من جهة إليهم ، وعند ذلك يتحقق مصداق دعائه عليهالسلام فيكم وفي الرسول