وما يخبر عن وجوده مما لا تتعرض العلوم لذلك كحقائق المعاد يجب أن يوجه بالقوانين المادية.
وما يتكي عليه التشريع من الوحي والملك والشيطان والنبوة والرسالة والامامة وغير ذلك ، إنما هي امور روحية ، والروح مادية ونوع من الخواص المادية ، والتشريع نبوغ خاص اجتماعي يبني قوانينه على الافكار الصالحة ، لغاية إيجاد الاجتماع الصالح الراقي.
ذكروا : أن الروايات ، لوجود الخليط فيها لا تصلح للاعتماد عليها ، إلا ما وافق الكتاب ، وأما الكتاب فلا يجوز أن يبنى في تفسيره على الآراء والمذاهب السابقة المبتنية على الاستدلال من طريق العقل الذي أبطله العلم بالبناء على الحس والتجربة ، بل الواجب أن يستقل بما يعطيه القرآن من التفسير إلا ما بينه العلم.
هذه جمل ما ذكروه أو يستلزمه ما ذكروه ، من اتباع طريق الحس والتجربة ، فساقهم ذلك إلى هذا الطريق من التفسير ، ولا كلام لنا هيهنا في اصولهم العلمية والفلسفية التي اتخذوها اصولا وبنوا عليها ما بنوا.
وإنما الكلام في أن ما اوردوه على مسالك السلف من المفسرين ( أن ذلك تطبيق وليس بتفسير ) وارد بعينه على طريقتهم في التفسير ، وإن صرحوا أنه حق التفسير الذي يفسر به القرآن بالقرآن.
ولو كانوا لم يحملوا على القرآن في تحصيل معاني آياته شيئا ، فما بالهم يأخذون الانظار العلمية مسلمة لا يجوز التعدي عنها ؟ فهم لم يزيدوا على ما أفسده السلف اصلاحا.
وانت بالتأمل في جميع هذه المسالك المنقولة في التفسير تجد : ان الجميع مشتركة في نقص وبئس النقص ، وهو تحميل ما انتجه الابحاث العلمية أو الفلسفية من خارج على مداليل الآيات ، فتبدل به التفسير تطبيقا وسمي به التطبيق تفسيرا ، وصارت بذلك حقائق من القرآن مجازات ، وتنزيل عدة من الآيات تأويلات.
ولازم ذلك ( كما أومأنا إليه في أوائل الكلام ) أن يكون القرآن الذي يعرف