لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ـ ٢٤٢.
( بيان )
الآيات في احكام الطلاق والعدة وإرضاع المطلقة ولدها ، وفي خلالها شيء من احكام الصلاة.
قوله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ، اصل الطلاق التخلية عن وثاق وتقييد ثم استعير لتخلية المرئة عن حبالة النكاح وقيد الزوجية ثم صار حقيقة في ذلك بكثرة الاستعمال.
والتربص هو الانتظار والحبس ، وقد قيد بقوله تعالى : بأنفسهن ، ليدل على معنى التمكين من الرجال فيفيد معنى العدة اعني عدة الطلاق ، وهو حبس المرئة نفسها عن الازدواج تحذرا عن اختلاط المياه ، ويزيد على معنى العدة الاشارة إلى حكمة التشريع ، وهو التحفظ عن اختلاط المياه وفساد الانساب ، ولا يلزم اطراد الحكمة في جميع الموارد فإن القوانين والاحكام إنما تدور مدار المصالح والحكم الغالبة دون العامة ، فقوله تعالى يتربصن بأنفسهن بمنزلة قولنا : يعتددن احترازا من اختلاط المياه وفساد النسل بتمكين الرجال من أنفسهن ، والجملة خبر أريد به الانشاء تأكيدا.
والقروء جمع القرء ، وهو لفظ يطلق على الطهر والحيض معا ، فهو على ما قيل من الاضداد ، غير ان الاصل في مادة قرء هو الجمع لكن لا كل جمع بل الجمع الذي يتلوه الصرف والتحويل ونحوه ، وعلى هذا فالاظهر ان يكون معناه الطهر لكونه حاله جمع الدم ثم استعمل في الحيض لكونه حالة قذفه بعد الجمع ، وبهذه العناية اطلق على الجمع بين الحروف للدلالة على معنى القرائه ، وقد صرح أهل اللغة بكون معناه هو الجمع ، ويشعر بأن الاصل في مادة قرء الجمع ، قوله تعالى : ( لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) القيامة ـ ١٨ ، وقوله تعالى : ( وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ) بني إسرائيل ـ ١٠٦ ، حيث عبر تعالى في الآيتين بالقرآن ، ولم يعبر بالكتاب أو الفرقان أو مايشبههما ، وبه سمي القرآن قرآنا.