ايصال الانسان كسائر ما خلق من خلق الى غايته بالدعوة والارشاد ، ثم بالامتحان والابتلاء ، ثم بإِهلاك من بطل في حقه غاية الخلقة وسقطت عنه الهداية ، فإِن في ذلك اتقاناً للصنع في الفرد والنوع وختماً للامر في امة وإِراحة الآخرين ، قال تعالى : « وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ » الانعام ـ ١٣٣ ، ( انظر الى موضع قوله تعالى : وربك الغني ذو الرحمة ) .
وهذه السنة الربانية اعني سنة الابتلاء والانتقام هي التي اخبر الله عنها انها سنة غير مغلوبة ولا مقهورة ، بل غالبة منصورة كما قال تعالى : « وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ » الشورى ـ ٣١ ، وقال تعالى : « وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ » الصافات ـ ١٧٣ .
ومن احكام الاعمال من حيث السعادة والشقاء : ان قبيل السعادة فائقة على قبيل الشقاء ، ومن خواص قبيل السعادة كل صفة وخاصة جميلة كالفتح والظفر والثبات والاستقرار والامن والتأصل والبقاء ، كما ان مقابلاتها من الزهاق والبطلان والتزلزل والخوف والزوال والمغلوبية وما يشاكلها من خواص قبيل الشقاء .
والآيات القرآنية فيهذا المعنى كثيرة متكثرة ، ويكفي في ذلك ما ضربه الله تعالى مثلاً : « كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ » إِبراهيم ـ ٢٧ ، وقوله تعالى : « لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ » الأنفال ـ ٨ ، وقوله تعالى : « وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ » طه ـ ١٣٢ ، وقوله تعالى : « وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ » الصافات ـ ١٧٣ ، وقوله تعالى : « وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ » يوسف ـ ٢١ ، الى غير ذلك من الآيات .
وتذييل الكلام في هذه الآية الاخيرة
بقوله : ولكن اكثر الناس لا يعلمون ، مشعر