يكون هذا التقوى بإِصلاح صورة هذه الاعمال ، فإِنها أُمور مرتبطة بالظاهر من الصورة ولذلك قال تعالى : واعلموا ان الله بما تعملون بصير ، وهذا بخلاف ما في ذيل قوله تعالى السابق : وإِذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن الآية من قوله تعالى : واتقوا الله واعلموا ان الله بكل شيء عليم ، فان تلك الآية مشتملة على قوله تعالى : ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ، والمضارة ربما عادت إِلى النية من غير ظهور في صورة العمل إِلا بحسب الأثر بعد .
قوله تعالى : والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجاً يتربصن بأنفسهن اربعة اشهر وعشراً ، التوفي هو الاماتة ، يقال : توفاه الله إِذا اماته فهو متوفى بصيغة اسم المفعول ، ويذرون مثل يدعون بمعنى يتركون ولا ماضي لهما من مادتهما ، والمراد بالعشر الايام حذفت لدلالة الكلام عليه .
قوله تعالى : ( فإِذا بلغن اجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف المراد ببلوغ الأجل انقضاء العدة ، وقوله : فلا جناح « الخ » كناية عن إِعطاء الاختيار لهن في افعالهن فإِن اخترن لأنفسهن الازدواج فلهن ذلك ، وليس لقرابة الميت منعهن عن شيء من ذلك استناداً الى بعض العادات المبنية على الجهالة والعمى أو الشح والحسد فإِن لهن حقاً في ذلك معروفاً في الشرع وليس لأحد ان ينهي عن المعروف .
وقد كانت الامم على أهواء شتى في
المتوفى عنها زوجها ، بين من يحكم بإِحزاق الزوجة الحية مع زوجها الميت أو إِلحادها وإِقبارها معه ، وبين من يقضي بعدم جواز ازدواجها ما بقيت بعده إِلى آخر عمرها كالنصارى ، وبين من يوجب اعتزالها عن الرجال الى سنة من حين الوفاة كالعرب الجاهلي ، أو ما يقرب من السنة كتسعة أشهر كما هو كذلك عند بعض الملل الراقية ، وبين من يعتقد أن للزوج المتوفى حقاً على الزوجة في الكف عن الازدواج حيناً من غير تعيين للمدة ، كل ذلك لما يجدونه من أنفسهم أن الازدواج للاشتراك في الحياة والامتزاج فيها ، وهو مبني على أساس الانس والالفه ، وللحب حرمة يجب رعايتها ، وهذا وان كان معنى قائماً بالطرفين ، ومرتبطاً بالزوج والزوجة معاً فكل منهما أخذته الوفاة كان على الآخر رعاية هذه الحرمة بعد صاحبه ، غير أن هذه المراعات على المرأة أوجب وألزم ، لما يجب عليها من مراعاة جانب الحياء والاحتجاب والعفة ، فلا ينبغي لها أن تبتذل فتكون كالسلعة المبتذلة الدائرة تعتورها الايدي واحدة بعد واحدة ، فهذا هو الموجب لما حكم به هذه