وثانيا : على دعوى ان القرآن يدل على امتناع اكثر من حياة واحدة في الدنيا كما استدل بمثل قوله تعالى : ( لا يذوقون فيها الموت الا الموتة الاولى ) الدخان ـ ٥٦ ، وقوله تعالى : أحييتنا اثنتين ) المؤمن ـ ١١.
وفيه ان جميع الآيات الدالة على احياء الموتى كما في قصص ابراهيم وموسى وعيسى وعزير ، بحيث لا تدفع دلالتها ، يكفي في رد ما ذكره ، على ان الحياة الدنيا لا تصير بتخلل الموت حياتين كما يستفاد احسن الاستفادة من قصة عزير ، حيث لم يتنبه لموته الممتد ، والمراد بما أورده من الآيات الدالة على نوع الحياة.
وثالثا : على ان الآية لو كانت مسوقة لبيان القصة لتعرضت لتعيين قومهم وتشخيص النبي الذي احياهم.
وانت تعلم ان مذاهب البلاغة مختلفة متشتتة ، والكلام كما ربما يجري مجرى الاطناب كذلك يجري مجرى الايجاز ، وللآية نظائر في القرآن كقوله تعالى : قتل اصحاب الاخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود البروج ـ ٧ ، وقوله تعالى : ( وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) الاعراف ـ ١٨١.
ورابعا : على ان الآية لو لم تحمل على التمثيل لم ترتبط بما بعدها من الآيات بحسب المعنى ، وانت تعلم ان نزول القرآن نجوما يغني عن كل تكلف بارد في ربط الآيات بعضها ببعض الا ما كان منها ظاهر الارتباط ، بين الاتصال على ما هو شأن الكلام البليغ.
فالحق ان الآيه كما هو ظاهرها مسوقة لبيان القصة ، وليت شعري اي بلاغة في ان يلقي الله سبحانه للناس كلاما لا يرى اكثر الناظرين فيه الا انه قصة من قصص الماضين ، وهو في الحقيقة تمثيل مبني على التخييل من غير حقيقة.
مع ان دأب كلامه تعالى على تمييز المثل عن غيره في جميع الامثال الموضوعة فيه بنحو قوله : ( مثلهم كمثل الذي ) البقرة ـ ١٧ ، وقوله : ( انما مثل الحياة الدنيا ) يونس ـ ٢٤ ، وقوله : ( مثل الذين حملوا ) الجمعة ـ ٥ ، إلى غير ذلك.