قال ما حاصله : ان الآية لو كانت مسوقة لبيان قصة من قصص بني إسرائيل كما يدل عليه اكثر الروايات أو غيرهم كما في بعضها لكان من الواجب الاشارة إلى كونهم من بني إسرائيل ، وإلى النبي الذي أحياهم كما هو دأب القرآن في سائر قصصه مع ان الآية خالية عن ذلك ، على ان التوراة ايضا لم تتعرض لذلك في قصص حزقيل النبي على نبينا وآله و عليهالسلام فليست الروايات إلا من الاسرائيليات التي دستها اليهود ، مع ان الموت والحياة الدنيويتين ليستا إلا موتا واحدا أو حياة واحدة كما يدل عليه قوله تعالى : ( لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الاولى ) الدخان ـ ٥٦ ، وقوله تعالى : ( وأحييتنا اثنتين ) المؤمن ـ ١١ ، فلا معنى لحياتين في الدنيا هذا ، فالآية مسوقة سوق المثل ، والمراد بها قوم هجم عليهم اولوا القدرة والقوة من اعدائهم باستذلالهم واستخزائهم وبسط السلطة فيهم والتحكم عليهم فلم يدافعوا عن استقلالهم ، وخرجوا من ديارهم وهم الوف لهم كثرة وعزيمة حذر الموت ، فقال لهم الله موتوا موت الخزى والجهل ، فإن الجهل والخمود موت كما ان العلم وإباء الضيم حياة ، قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) الانفال ـ ٢٤ ، وقال تعالى : ( أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ) الانعام ـ ١٢٢.
وبالجملة فهؤلاء يموتون بالخزى وتمكن الاعداء منهم ويبقون امواتا ، ثم أحياهم الله بإلقاء روح النهضة والدفاع عن الحق فيهم ، فقاموا بحقوق انفسهم واستقلوا في امرهم ، وهؤلاء الذين احياهم الله وإن كانوا بحسب الاشخاص غير الذين اماتهم الله الا ان الجميع امة واحدة ماتت في حين وحييت في حين بعد حين ، وقد عد الله تعالى القوم واحدا مع اختلاف الاشخاص كقوله تعالى في بني إسرائيل : ( انجيناكم من آل فرعون ) الاعراف ـ ١٤١ ، وقوله تعالى : ( ثم بعثناكم من بعد موتكم ) البقرة ـ ٥٦ ، ولو لا ما ذكرناه من كون الآية مسوقا للتمثيل لم يستقم ارتباط الآية بما يتلوها من آيات القتال وهو ظاهر ، انتهى ما ذكره ملخصا.
وهذا الكلام كما ترى مبني اولا : على انكار المعجزات وخوارق العادات أو بعضها كإحياء الموتى وقد مر اثباتها ، على ان ظهور القرآن في اثبات خرق العادة باحياء الموتى ونحو ذلك مما لا يمكن انكاره ولو لم يسع لنا اثبات صحته من طريق العقل.