من الاحكام تشريعاً جامداً يقتصر فيه على اجرام الافعال أخذاً وإِعطائاً وإِمساكاً وتسريحاً وغير ذلك ، بل بناها على مصالح عامة يصلح بها فاسد الاجتماع ، ويتم بها سعادة الحياة الانسانية ، وخلطها بأخلاق فاضلة تتربى بها النفوس ، وتطهر بها الأرواح ، وتصفو بها المعارف العالية : من التوحيد والولاية وسائر الاعتقادات الزاكية ، فمن اقتصر في دينه على ظواهر الاحكام ونبذ غيرها ورآء ظهره فقد اتخذ آيات الله هزواً .
والمراد بالنعمة في قوله تعالى : واذكروا نعمة الله عليكم ، نعمة الدين أو حقيقة الدين وهي السعادة التي تنال بالعمل بشرائع الدين كسعادة الحياة المختصة بتألف الزوجين ، فإِن الله تعالى سمى السعادة الدينية نعمة كما في قوله تعالى : « وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي » المائدة ـ ٣ ، وقوله تعالى : « وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ » المائدة ـ ٦ ، وقوله تعالى : « فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا » آل عمران ـ ١٠٣ .
وعلى هذا يكون قوله تعالى بعده : وما أُنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به ، كالمفسر لهذه النعمة ، ويكون المراد بالكتاب والحكمة ظاهر الشريعة وباطنها أعني أحكامها وحِكَمها .
ويمكن أن يكون المراد بالنعمة مطلق النعم الإلهية ، التكوينية وغيرها فيكون المعنى : اذكروا حقيقة معنى حياتكم وخاصة المزايا ومحاسن التألف والسكونة بين الزوجين وما بينه الله تعالى لكم بلسان الوعظ من المعارف المتعلقة بها في ظاهر الأحكام وحكمها فإِنكم إِن تأملتم ذلك أوشك أن تلزموا صراط السعادة ، ولا تفسدوا كمال حياتكم ونعمة وجودكم ، واتقوا الله ولتتوجه نفوسكم إِلى أن الله بكل شيء عليم ، حتى لا يخالف ظاهركم باطنكم ، ولا تجترؤوا على الله بهدم باطن الدين في صورة تعمير ظاهره .
قوله تعالى : وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إِذا تراضوا بينهم بالمعروف ، العضل المنع ، والظاهر أن الخطاب في قوله : فلا تعضلوهن ، لاوليائهن ومن يجري مجراهم ممن لا يسعهن مخالفته ، والمراد بأزواجهن ، الازواج قبل الطلاق ، فالآية تدل على نهي الاولياء ومن يجري مجراهم عن منع المرأة أن تنكح زوجها ثانياً بعد انقضاء العدة سخطاً ولجاجاً كما يتفق كثيراً ، ولا دلالة في ذلك على أن العقد لا يصح إِلا بولي .