والهوان حتى صار الضعف والصغار طبيعة ثانية لها ، عليها نبتت لحمها وعظمها وعليها كانت تحيا وتموت ، وعادت ألفاظ المرأة والضعف والهوان كاللغات المترادفة بعد ما وضعت متبائنة ، لا عند الرجال فقط بل وعند النساء ـ ومن العجب ذلك ـ ولا ترى أُمة من الامم وحشيها ومدنيها إِلا وعندهم أمثال سائرة في ضعفها وهو ان أمرها ، وفي لغاتهم على اختلاف اصولها وسياقاتها وألحانها أنواع من الاستعارة والكناية والتشبيه مربوطة بهذه اللفظة ( المرأة ) يقرّع بها الجبان ، ويؤنب بها الضعيف ، ويلام بها المخذول المستهان والمستذل المنظلم ، ويوجد من نحو قول القائل :
وما أدري وليت إِخال ادري |
* |
أقوم آل حصن أم نساء |
مئات وألوف من النظم والنثر في كل لغة .
وهذا في نفسه كاف في ان يحصل للباحث ما كانت تعتقده الجامعة الإنسانية في أمر المرأة وإِن لم يكن هناك ما جمعته كتب السير والتواريخ من مذاهب الامم والملل في امرها ، فإِن الخصائل الروحية والجهات الوجودية في كل أُمة تتجلى في لغتها وآدابها .
ولم يورث من السابقين ما يعتنى بشأنها ويهم بأمرها إِلا بعض ما في التوراة وما وصى به عيسى بن مريم عليهما السلام من لزوم التسهيل عليها والارفاق بها .
وأما الإسلام أعني الدين الحنيف النازل به القرآن فإنه أبدع في حقها أمراً ما كانت تعرفه الدنيا منذ قطن بها قاطنوها ، وخالفهم جميعاً في بناء بنية فطرية عليها كانت الدنيا هدمتها من اول يوم وأعفت آثارها ، والغى ما كانت تعتقده الدنيا في هويتها اعتقاداً وما كانت تسير فيها سيرتها عملاً .
اما هويتها : فإِنه بين أن المرأة كالرجل انسان وأن كل انسان ذكراً أو أُنثى فإِنه انسان يشترك في مادته وعنصره انسانان ذكر وانثى ولا فضل لأحد على أحد إِلا بالتقوى ، قال تعالى : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ » الحجرات ـ ١٣ ، فجعل تعالى كل انسان مأخوذاً مؤلفاً من انسانين ذكر وأُنثى هما معاً وبنسبة واحدة مادة كونه ووجوده ، وهو سواء كان ذكراً او انثى مجموع المادة المأخوذة منهما ، ولم يقل تعالى : مثل ما قاله القائل :