يجب الاصغاء إلى قوله والعالم إذا تحقق بعلمه وعمل بما علم كان هو الذي يجب إكرامه فقوله تعالى إذا دعان ، يدل على أن وعد الاجابة المطلقة ، إنما هو إذا كان الداعي داعيا بحسب الحقيقة مريدا بحسب العلم الفطري والغريزي مواطئا لسانه قلبه ، فإن حقيقة الدعاء والسؤال هو الذي يحمله القلب ويدعو به لسان الفطرة ، دون ما يأتي به اللسان الذي يدور كيفما أدير صدقا أو كذبا جدا أو هزلا حقيقة أو مجازا ، ولذلك ترى أنه تعالى عد ما لا عمل للسان فيه سؤالا ، قال تعالى : ( وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الانسان لظلوم كفار ) ابراهيم ـ ٣٤ ، فهم فيما لا يحصونها من النعم داعون سائلون ولم يسألوها بلسانهم الظاهر ، بل بلسان فقرهم واستحقاقهم لسانا فطريا وجوديا ، وقال تعالى : ( يسأله من في السموات والارض كل يوم هو في شأن ) الرحمن ـ ٢٩ ، ودلالته على ما ذكرنا أظهر وأوضح.
فالسؤال الفطري من الله سبحانه لا يتخطى الاجابة ، فما لا يستجاب من الدعاء ولا يصادف الاجابة فقد فقد أحد امرين وهما اللذان ذكرهما بقوله : دعوة الداع إذا دعان.
فإما أن يكون لم يتحقق هناك دعاء ، وانما التبس الامر على الداعي التباسا كان يدعو الانسان فيسأل ما لا يكون وهو جاهل بذلك أو ما لا يريده لو انكشف عليه حقيقة الامر مثل ان يدعو ويسأل شفاء المريض لا إحياء الميت ، ولو كان استمكنه ودعا بحياته كما كان يسأله الانبياء لاعيدت حياته ولكنه على يأس من ذلك ، أو يسأل ما لو علم بحقيقته لم يسأله فلا يستجاب له فيه.
وإما أن السؤال متحقق لكن لا من الله وحده كمن يسأل الله حاجة من حوائجه وقلبه متعلق بالاسباب العادية أو بامور وهمية توهمها كافية في امره أو مؤثرة في شأنه فلم يخلص الدعاء لله سبحانه فلم يسأل الله بالحقيقة فإن الله الذي يجيب الدعوات هو الذي لا شريك له في أمره ، لا من يعمل بشركة الاسباب والاوهام ، فهاتان الطائفتان من الدعاة السائلين لم يخلصوا الدعاء بالقلب وإن أخلصوه بلسانهم.
فهذا ملخص القول في الدعاء على ما تفيده الآية ، وبه يظهر معاني سائر الآيات