علما ؛ لعدم المطابقة فضلا عن كونه ضروريّا.
قلت : غير المؤاخذ به منها ، إنّما هو ما يخطر بالنفس من الوساوس والهواجس المتعلّقة بالمعاصي ، أمّا إذا صمّم العزم على القبيح ، وعقد القلب عليه ، مع إمكان التحفّظ منه ، فلا نسلّم أنّه غير مؤاخذ به ، بل عليه جزاء لصيرورته حينئذ من أفعال القلوب ، كما اختاره صاحب مجمع البيان فيه عند تفسير ( إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ ) (١) الآية.
وأقول : يعضد ذلك قوله تعالى : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ) (٢) أي يسأل عمّا يفعل بهذه الجوارح من الاستماع والإبصار لما لا يحلّ ، والإرادة لما يقبح.
هكذا ذكره الشيخ رحمهالله في تبيانه (٣) ، على أنّ عدم المؤاخذة لا يدلّ على عدم التحريم ؛ لجواز العفو عندنا ، كما هو ظاهر الحديث : « إنّ الله تجاوز لهذه الأمّة عن نسيانها وما حدّثت به أنفسها » (٤).
قال : ( وبالمكروه ـ وهو ما قابل الندب ـ كالبخل ، وسوء الخلق ، والهذر.
وعمليّه فعله. والمباح من الفعل والترك ما لا رجحان فيه البتّة ).
أقول : هذان تمام الأحكام الخمسة المندرجة في القسم الأوّل الذي هو الضروري العقلي ، وليس فيه موضع بحث على ما ترى.
قال : ( الثاني : العقلي النظري ).
أقول : هذا هو القسم الثاني من الأقسام الخمسة الأوّل ، فقال فيه :
( كالعلم بحدوث العالم ، ووجود الصانع ، وإثبات صفات كماله
__________________
(١) مجمع البيان ٢ : ٤٠١ ذيل الآية ٢٨٤ من البقرة (٢).
(٢) الإسراء (١٧) : ٣٦.
(٣) التبيان ٦ : ٤٧٧ ذيل الآية ٣٦ من سورة الإسراء (١٧).
(٤) التبيان ٢ : ٣٨٢.