فهي في مقام بيان عدم معذرية الجهل لا معذرية العلم ليتمسك باطلاقه للعلم الحاصل بالطرق العقلية ، وأمّا روايات الأمر بتعلّم الناس الأحكام الشرعية فهي خاصة وناظرة إلى العلم بحلالهم وحرامهم ، أي تعلّم الروايات الصادرة منهم وتعليمهم للناس.
وأمّا روايات الحثّ على التعقل واتباع العقل فهي أجنبية أصلاً عن باب استكشاف الأحكام الشرعية بالأدلّة العقلية الاستدلالية ، فإنّ المراد بالعقل فيها العقل الفطري أو العقل الهادي في اصول الدين وليس في شيء منها ما يمكن استفادة إطلاق منها للحثّ على اتباع الطرق البرهانية والفلسفية للكشف عن الحكم الشرعي.
ثمّ إنّ ما أبرزه السيد الشهيد قدسسره هنا من إمكان الردع عن دخول الطرق العقلية من أوّل الأمر والتسبّب إلى حصول القطع بها ، ويكون حكماً طريقياً لا نفسياً ، ويكون بمعنى تنجيز الواقع من أوّل الأمر لا ينفع في رفع منجزية القطع بالتكليف الحاصل بالدليل العقلي ، وإنّما يفيد فقط في رفع معذرية القطع بعدم التكليف الحاصل منه ، كما أنّه لا ينفع في رفع معذرية القطع الحاصل من الدليل العقلي صدفة وبلا تسبّب ، أو القطع الحاصل من الأدلّة العقلية التي تكون مقيّدة لاطلاقات الأدلّة السمعية ومحدّدة لها ، ممّا قد يحصل للمجتهد من خلال ممارسته ودراسته لنفس الأدلّة السمعية واستفراغ وسعه للاجتهاد فيها وفي مقدماتها العلمية ، فهذه الدعوى مضافاً إلى بطلانها إثباتاً غير نافع ثبوتاً في أكثر الحالات.