ولو قلت : المراد لا ريب فى كونه معجزا على الخصوص كان أقرب لتأكيد هذا التأويل بقوله :
( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا )
( سورة البقرة الآية ٢٣ )
وهاهنا سؤالان :
السؤال الأول : طعن بعض الملحدة فيه فقال : إن عنى أنه لا شك فيه عندنا فنحن قد نشك فيه ، وإن عنى أنه لا شك فيه عنده فلا فائدة فيه ..
الجواب : المراد أنه بلغ من الوضوح إلى حيث لا ينبغى لمرتاب أن يرتاب فيه ، والامر كذلك ، لان العرب مع بلوغهم فى الفصاحة إلى النهاية عجزوا عن معارضة أقصر سورة من القرآن وذلك يشهد بأنه بلغ هذه الحجة فى الظهور إلى حيث لا يجوز للعاقل أن يرتاب فيه.
السؤال الثانى : لم قال هاهنا : لا ريب فيه ، وفى موضع آخر « لا فيها غول ..؟
الجواب : لانهم يقدمون الاهم فالمهم ، وهاهنا الأهم نفى الريب بالكلمة عن الكتاب ، ولو قلت : لا ريب فيه لاوهم أن هناك كتابا آخر حصل الريب فيه لا هنا كما قصد فى قوله : لا فيها غول تفضيل خمر الجنة على خمور الدنيا فانها لا تغتال العقول كما تغتالها خمرة الدنيا.
السؤال الثالث : من بين بدل قوله لا ريب فيه على نفى الريب بالكلية.
الجواب : قرأ أبو الشعثاء : لا ريب فيه ـ بالرفع. واعلم أن القراءة المشهورة توجب ارتفاع الريب بالكلية ، والدليل عليه أن قوله : لا ريب فيه نفى لما هية الريب ، ونفى الماهية يقتضى نفى كل فرد من افراد الماهية ، لأنه لو ثبت فرد من أفراد الماهية لثبتت الماهية ، ولهذا السر كان قولنا : لا اله الا الله نفيا لجميع الآلهة سوى الله تعالى.